إيران وشيعة العراق وأشياء أخرى كثيرة

إيران وشيعة العراق وأشياء أخرى كثيرة

إيران وشيعة العراق وأشياء أخرى كثيرة

 عمان اليوم -

إيران وشيعة العراق وأشياء أخرى كثيرة

حازم صاغية

لا يعيش حيدر العبادي أجمل أيّامه. فرئاسته الحكومة لا تسعفه كثيراً، ومن المشكوك فيه أن يتمكّن المرجع علي السيستاني من إنجاده النجدةَ التي يحتاجها. وإذا صحّ أنّ الأخير مستاء منه لنقص إصلاحيّته فهذا ما يفاقم المأزق. ذاك أنّ من لم ينجح في إصلاحات حدّ أدنى لن ينجح في إصلاحات أكثر راديكاليّة يقال إنّ السيستاني يطالب بها.

والحال أنّ الإشارات إلى ضيق ذات اليد تتعدّى «الانقلاب البرلمانيّ» على إصلاحاته، أو الأوضاع الداخليّة التي يعيشها حزبه، «حزب الدعوة»، وكتلته النيابيّة، «دولة القانون». فهناك في العراق اليوم مرض مستشرٍ لا يعبّر عنه أحد كما يعبّر نوري المالكي. والشعوب والجماعات حين تمرض تطلب قادة مرضى.

أمّا المرض فليس إلاّ الهذيان الطائفيّ المستفحل، الذي لولا وطأته والشعور العارم بها لما أمكن للحراك المطلبيّ أن ينشأ أصلاً. فهذا الحراك، على رغم نوايا نشطائه الحسنة وأيديهم النظيفة، إنّما يكتنفه الشعور بـ»أنّنا أصبحنا نعيش وحدنا». وبما أنّنا بتنا مُسوّرين، صار يمكننا أن نختلف ونتنازع في ما بيننا، بعيداً عن الآخر العراقيّ، أي الأكراد ذوي الهموم المغايرة تماماً، والسنّة العرب المشغولين بـ»داعش» اعتراضاً عليها أو مبايعةً لها. فهؤلاء جميعاً أصبحوا الخارج قياساً بداخل شيعيّ يتكامل و»يستقلّ»، وما دام هؤلاء سيبقون خارجاً فإنّهم يفقدون القدرة على إخافة الداخل الشيعيّ وعلى تكتيله وتوحيده.

ووضع كهذا كان يمكن للسيستاني، وهو تعريفاً رجل دين، أن يكون رمزه وبطله. لكنّ السيستاني ذو مشروع عراقيّ يحمل في داخله بذور الصدام مع النفوذ الإيرانيّ، فيما المالكي ذو مشروع شيعيّ ينضوي في النفوذ الإيرانيّ ويتمّمه.

والآن ما من شيعيّة سياسيّة في العراق من دون إيران، كي لا نقول ضدّها. فطهران الطرف الأقوى الذي يُبقي «داعش» خارجاً ويوفّر الحماية للداخل الشيعيّ، خصوصاً وقد رأينا كيف أنّ جعجعة الجيش العراقيّ بلا طحين، فيما «الحشد»، بدوره، إيرانيّ الهوى والقرار. وهذا فضلاً عن العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة، كما الثقافيّة والسياحيّة، التي تجعل الكلام عن تباين الشيعيّتين العراقيّة والإيرانيّة كلاماً قديماً لم يعد صالحاً للتعويل عليه. فقد تآكل الأساس الذي تنهض عليه زعامة شيعيّة عراقيّة ربّما كان إياد علاّوي الأقرب إلى أن يكونها، قبل أن يتصدّى العبادي في محاولة متأخّرة لتمثيلها.

ونهاية بائسة كهذه هي أيضاً من صنع الإنسان، لا من صنع الطبيعة. ففي 2003 أعطي للشيعة العراقيّين بلد كبير وغنيّ وقويّ هم أكثريّته العدديّة، وكان في وسعهم، بالتعاون مع المكوّنات العراقيّة الأخرى، أن يحكموه، محافظين على صداقة لإيران لا تكون تبعيّة، وعلى علاقات معقولة مع جميع الدول المعنيّة.

وهذا ما لم يحصل. فحيال الأكراد ساد التنصّل والتهرّب من الاتّفاقات والتلويح بالعضل وباستقدام السلاح من الخارج، وحيال السنّة سادت الرغبة في نزع أنياب «صحواتهم» وإذلال قادتهم، فضلاً عن استفزازهم بتأييد بشّار الأسد. أمّا الثأريّة التي احتواها «اجتثاث البعث» وإعدام صدّام حسين والظروف التي أحاطت بالإعدام فرشّت على الجرح ملحاً كثيراً. ومع كلّ ورقة كانت تُنزع من أيدي الشركاء الوطنيّين، كانت توضع ورقتان في يد طهران التي تتعاظم الحاجة إلى حمايتها من الشركاء المذكورين. واستكمالاً للديكور، كان مقتدى الصدر الاسم الحركيّ لإنكار هذه الحقيقة الكبرى في أحوال الشيعيّة العراقيّة وتمويهها بجملة من القضايا المتفاوتة في زيفها.

وأن يُهدى العراق إلى إيران إنّما يحضّ على التمعّن في الكثير من أعمدة الوجود الوطنيّ في المشرق العربيّ، فهماً لها وتعاطياً معها، وفي تبويب الأوطان والطوائف في مراتب أفكارنا وعواطفنا. فهنا، نحن حيال أفدح انتحار جماعيّ في التاريخ الحديث لهذا المشرق. فقد ضُحّي جهاراً نهاراً بالوطن لصالح الطائفة التي باتت إيران مرجعيتها الدينية، وتالياً ضُحّي بالدولة لصالح شبكات الفساد، وبمصالح السكّان الفعليّة لصالح أوليغارشيا الجماعة المذهبيّة التي تبيعهم أوهاماً لتشتري ولاءهم.

وفي هذه الغضون لم يكن العبادي غريباً عن صناعة المحنة التي امتدّت موساها إلى ذقنه.

omantoday

GMT 19:01 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عالم بلا عدالة

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وشيعة العراق وأشياء أخرى كثيرة إيران وشيعة العراق وأشياء أخرى كثيرة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab