حازم صاغيّة
ذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيليّة، قبل يومين، أنّ المئات من الجنود الدروز في الجيش الإسرائيليّ عبّروا عن استعدادهم للذهاب إلى سوريّة والمشاركة في القتال الدائر هناك من أجل «حماية» أشقّائهم الدروز الذين تعرّضوا لهجمات من جانب تنظيم «جبهة الأنصار» (النصرة، على الأرجح) في قرية الحضر الدرزيّة.
ونقلت الصحيفة عن الزعيم الروحيّ للطائفة الدرزيّة في إسرائيل الشيخ موفّق طريف قوله: «تلقّينا مئات الاتّصالات الهاتفيّة من شبّان أعلنوا أنّهم على استعداد لأن يفعلوا كلّ شيء من أجل الدفاع عن أشقّائهم في سوريّة».
هذا خبر حريّ بأن يُحدث هزّة عميقة في الوعي بدل أن يدفع إلى توزيع الشتائم والإدانات هنا وهناك. يحصل ذلك على مقربة من تنادي مسيحيّي لبنان إلى الاهتمام بأوضاع مسيحيّي سوريّة والعراق ومصر، كائناً ما كان المضمون المعطى لهذا الاهتمام. وإذا كانت الثورات العربيّة في عمومها تكتسب لوناً سنّيّاً لم يعد من سبيل إلى إخفائه أو التكتّم عليه، فإنّ شيعيّة سياسيّة ناشئة، تمتدّ من لبنان إلى إيران، مروراً بسوريّة والعراق والبحرين، تملي على أصحابها موقفاً واحداً متجانساً. ولئن تفرّعت القضيّة الكرديّة إلى قضايا عددُها عدد الأوطان التي يقيم فيها الأكراد، فهذا لا يلغي وجود رابط كرديّ قابل للاستيقاظ أمام أيّة نكسة تطال وضع الأكراد في بلد من بلدان إقامتهم.
صحيحٌ أنّ اللون الطائفيّ أو الإثنيّ الذي يسم تلك الحالات العريضة لا يختصرها فيه، ولا يحرمها ما قد يكون محقّاً فيها. لكنّ الصحيح أيضاً أنّنا نشهد ازدهاراً غير مسبوق في الروابط العابرة للأوطان والدول، والتي تتعامل مع نفسها على أنّها أوطان ظلّ قابلة في أيّة لحظة لأن تغدو أوطاناً بديلة وقضايا بديلة. وليس بلا دلالة أن تقدّم صحيفة إسرائيليّة ذاك الخبر الدرزيّ في اليوم نفسه الذي نقلت فيه إذاعة الجيش الاسرائيليّ عن المصادر الأمنيّة في تلّ أبيب قولها: لا تهديد علينا خلال الـ 20 السنة المقبلة، لأنّ «تقسيم سورية إلى ثلاث دويلات أصبح واقعاً».
وبحسب الإذاعة نفسها، فإنّ التقييم الاستخباريّ الإسرائيليّ يؤكّد إنشاء كانتونات كرديّة ودرزيّة وعلويّة وسنيّة في سوريّة، في ظلّ تناقص المساحة التي يسيطر عليها النظام في المناطق السنيّة ومناطق الأقليّات الأخرى.
ومرّة أخرى، فإنّ القصد ليس توزيع التهم والشتائم، ولا التدليل على مؤامرات تحاك ضدّنا في الظلام. إنّه التنبّه إلى تطوّر كبير يشقّ طريقه في حياتنا وتحت أبصارنا، تطوّرٍ يُستحسن بنا أن نفهمه، ونفهم مصادره في انهيار منظومة الدول – الأمم التي أقمناها، من أجل أن نجيد التعامل معه اليوم وغداً.
وإجادة التعامل تستدعي، قبل أيّ شيء آخر، التخلّي عن العدّة النظريّة والفكريّة التي لا نزال نستخدمها، والتي تقوم على فرضيّات – ثوابت تبيّن أنّها ليست ثوابت على الإطلاق: من فكرة التوحّد، أكان ضمن البلد الواحد أم على نطاق عربيّ أو إسلاميّ، إلى فكرة القضيّة الجامعة بين «العرب». وهذا ناهيك عن أطنان الورق الذي حبّرته أيدينا عن «الحداثة والأصالة» وما شابههما.
فالواقع اليوم، في بلدان المشرق خصوصاً والعالم العربيّ عموماً، يتعرّض لهزّة جيولوجيّة تعصف بالبشر فيما هي تطيح المعاني الدارجة والمألوفة. أمّا أدوات فهمها فشيء آخر!
نقلاً عن جريدة "الحياة"