حازم صاغيّة
أنقذتنا المرأة السوريّة من إعطاء يوم الجمعة اسماً يذكّر بـ «المجوس»، بعدما كان يوم المرأة العالميّ قد أنقذنا من «ثورة 8 آذار» التي افتتح بها البعث حكمه في 1963.
لكنّ اقتراح «المجوس» الذي كاد أن يُعتمد، ينبغي ألاّ يمرّ مرور الكرام، لا لدلالته فحسب بل أيضاً لأصوله ولما يوحي به من نتائج مرتجاة.
فحين استلّ صدّام حسين من بطن التاريخ السحيق ذاك التعبير ورمى به الإيرانيّين من غير استثناء، كان يقصد أهدافاً محدّدة كلّها سيّء وكلّها عنصريّ. وكان أحد تلك الأهداف أنّ الإيرانيّين تظاهروا تظاهراً بالإسلام، إلاّ أنّهم، في حقيقة أمرهم، ظلّوا يدينون بدياناتهم السابقة على الإسلام كالزرادشتيّة والمزدكيّة.
في هذا كان صدّام يعلن انتماءه إلى مدرسة خرافيّة في «التأريخ» ذهب بعض روّادها من المناهضين للساميّة إلى أنّ اليهود الذين تحوّلوا إلى المسيحيّة كانوا كاذبين لأنّهم ظلّوا، في حقيقة أمرهم وفي ممارساتهم الداخليّة والبيتيّة، يهوداً. وكان هناك مؤرّخون من غلاة الصهاينة، أبرزهم بنزيون نتانياهو، والد بنيامين نتانياهو، قد سجّلوا «الحقيقة» نفسها إنّما على نحو مقلوب. فهؤلاء أيضاً رأوا أنّ العداء لليهود لا يحول ولا يزول حتّى لو تحوّل اليهود الإسبان إلى مسيحيّة لا يقرّ لهم بها المسيحيّون.
فإذا كان اليهود لا يتغيّرون، كان هناك حلّ من اثنين: إمّا القضاء عليهم، كما يقول اللاساميّون، وإمّا أن يعيشوا في وطن قوميّ يكون لهم وحدهم، كما يرى غلاة الصهاينة.
هكذا يلوح أنّ الذين دافعوا عن ربط الجمعة السوريّة الأخيرة بـ «المجوس»، يصطفّون وراء صدّام حسين في افتراضه وجود جوهر إيرانيّ وشيعيّ لا تطاوله يد التغيير والتحوّل. أمّا ما يخونه هؤلاء الإيرانيّون والشيعة فيرقى إلى الإسلام نفسه، الإسلامِ الذي لا يرفع رايته النقيّة إلاّ من يتحدّثون عن «المجوس» ومن يحازبونهم.
والحال أنّ مسألة الثورة السوريّة ليست الإسلام، ولا استئناف نزاع نشب في التاريخ الإسلاميّ قبل أربعة عشر قرناً، كما أنّ حلّها ليس «اجتثاث» أحد طرفي النزاع للطرف الآخر. وهذا مع العلم أنّ الخمينيّة، في السياق التاريخيّ الإيرانيّ، ترقى إلى قطع مع محاولات بعث التقاليد السابقة على الإسلام التي سبق أن رعاها النظام الشاهنشاهيّ. إنّها، في المقابل، الإسلام الإيرانيّ في حالته القصوى وفي ارتداده على تاريخ عريق تربّع «المجوس» في صدارته.
إنّ في أوساط الثورة السوريّة من لا يميّزون بين النظام الخمينيّ وسائر الإيرانيّين، وبين بشّار الأسد وسائر العلويّين، وبين «حزب الله» وسائر الشيعة، مكتّلين الأعداء ضدّ الثورة، ومستبعدين تحييد مَن ليس عدوّاً لها، وجاعلين من الصعب على أصدقائها أن يبقوا أصدقاء. وهذا فضلاً عن الهبوط الأخلاقيّ والقيميّ في وهدة الجوهرانيّين، من صدّام حسين إلى النظامين الإيرانيّ والسوريّ و «حزب الله» الذين يقاتلون الشعب السوريّ بلا تمييز.
وهذا كلّه إنّما يسيء إلى ثورة يُعوّل عليها أن تنتج أفكاراً جديدة أشدّ رحابة وتسامحاً بعد سنوات القهر البعثيّ، فيقرنها بـ «ثقافة» متخلّفة عنها ومضادّة لأهدافها العميقة. فإذا كانوا «هم» كلاًّ واحداً يستعصي على أيّ تغيير، وكنّا «نحن» كذلك، بقيت أمامنا الحرب الضروس الشاملة الجانحة بنا إلى الفناء والإفناء، بدل انتصار الثورة السوريّة.
فشكراً، مرّة أخرى، لنساء سوريّة.