المشرق انهيارنا الكبير والأفق الموصد

المشرق: انهيارنا الكبير والأفق الموصد

المشرق: انهيارنا الكبير والأفق الموصد

 عمان اليوم -

المشرق انهيارنا الكبير والأفق الموصد

حازم صاغية

لا يخرق الاتّفاقَ على حدوث انهيار كبير في المشرق العربيّ سوى أهل «الخلافة الإسلاميّة» ودعاتها الداعشيّين. فهؤلاء وحدهم هم الذين يملكون خريطة بديلاً لخريطة سايكس – بيكو، وهم وحدهم الذين يملكون «أمّة» يضعونها في مقابل الدول – الأمم القائمة و»الأمم» الإيديولوجيّة المقتَرحَة.
يكفي للقياس مثلاً أنّ البعثيّين، أصحاب «الأمّة العربيّة»، إمّا اندثروا أو التحق عراقيّوهم بأصحاب «الخلافة»، وسوريّوهم بنظام يمعن في إنزال التفتيت بسوريّة القائمة. ومثلهم القوميّون السوريّون، أصحاب «الأمّة السوريّة».
لكنّ تداعي الخريطة المشرقيّة يثير في أجواء عدّة مشاعر من الأسى واللوعة غير المكتومين. وبين المتأسّين كارهون تقليديّون لسايكس – بيكو غالباً ما فاتهم أنّ انهيار الخريطة القائمة لن يوحّد العرب بل سيضاعف تفتّتهم أو يكثّر دولهم. وبينهم، أيضاً، خائفون تقليديّون من كلّ تغيّر كبير، ومن كلّ اعتداء على مألوف حياتهم وسائدها. وبينهم، فوق ذلك، مَن جرح تنظيم داعش نرجسيّتهم، فهالتهم أحوال «أمّة» هي «خير أمّة أُخرجت للناس»، أو صفعهم تفوّق الخطط الداعشيّة على خططهم «العصريّة» البسيطة.
وفي مقابل هؤلاء بيئات ضيّقة لا يزعجها ما يحصل ولا تتملّكها النوستالجيا. فإلى خوفها من داعش، ورفضها الجذريّ له، تستنتج تلك البيئات، بكثير من البرودة، ما ينبغي استنتاجه، وهو أنّ ما بني على رمل سيلفحه الرمل عاجلاً أو آجلاً. وهذا بالفعل ما يحصل اليوم، حيث تنهار الخرائط التي لم تُبن لسكّانها مجتمعات سياسيّة، ولا أقيمت برامج تنمية، ولا احتُرم البشر الذين تضمّهم حدود تلك الخرائط، ولا نُشرت بينهم أفكار تولّد بعض المناعة في وجه داعش وأفكاره.
هكذا يغدو تأجيل المأساة اصطناعيّاً مأساةً مزدوجة، إذ ينضاف الكبت والقسر اللذان يلازمان كلّ اصطناع إلى كبت وقسر مديدين ومكينين. وهذا فضلاً عن أكلاف الزمن المهدور في محاولات يائسة، وعن تخدير العقول وحشوها بالأوهام التي تجعل مُصدّقها، لحظة اصطدامه بالحقيقة القاتلة، يموت مرّتين.
وهذا كلّه قد يكون سليماً وبالغ الواقعيّة حتّى لو اتّسمت واقعيّته بقسوة لا ترحم. إلاّ أنّ مشكلة المنطق المذكور أنّ بعض قائليه قد يقعون في وعي رؤيويّ أو يعبّرون عنه، معتبرين أنّ «الخراب الجميل» مَعبر إلى خلاص مضمون.
والحال أنّ الانكشاف، في ما خصّ وحدات البلدان وخرائطها، ولكنْ أيضاً في ما خصّ الدين والجيش وعموم المستويات التي يتفرّع إليها وجودنا الاجتماعيّ، قد لا يقود بتاتاً إلى «ضوء في آخر النفق»، وقد لا «تصغر» بعد أن «تكبر»، وقد لا «تنفرج» الأزمة بعد أن «تشتدّ».
ذاك أنّ الانكشاف كيما يؤدّي إلى إقلاع، يلزمه طرف قادر على أن يستثمر الانكشاف ذاك وأن ينقلنا تالياً الانتقال المرجوّ هذا. وهو ما لا يبدو له اليوم أثر، لا في الواقع ولا في الأفكار.
فانكشافنا يقول لنا كم هي بائسة أوضاعنا، وهذه بالطبع خطوة كبرى إلى الأمام أحدثتها الثورات وتداعياتها، خطوةٌ لا رجوع إلى العتم والعمى السابقين عليها. بيد أنّه يقول لنا أيضاً، تبعاً لظرفنا الراهن ولقواه وتوازناته، كم من البؤس ينتظرنا وراء هذا البؤس الذي انكشف لنا، وكيف يمكن ألاّ تعثر المشكلات على حلول، فتكتفي بتراكمها الذي يأتي كالتداعي الحرّ، طاحناً البشر على امتداد منطقة عريضة.

 

omantoday

GMT 22:20 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 22:19 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 22:17 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 22:16 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 22:15 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 22:14 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 22:13 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 22:12 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشرق انهيارنا الكبير والأفق الموصد المشرق انهيارنا الكبير والأفق الموصد



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:33 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
 عمان اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab