الواقع لا الأفكار المُسقطة عليه

الواقع.. لا الأفكار المُسقطة عليه

الواقع.. لا الأفكار المُسقطة عليه

 عمان اليوم -

الواقع لا الأفكار المُسقطة عليه

حازم صاغية

تلاحق في العقود الأخيرة انهيار المنظومات الفكريّة، الكلّيّة والجزئيّة، التي كان لها اليد الطولى في صياغة القناعات السياسيّة للعرب. وجاءت ثورات «الربيع العربيّ» بتعريتها الواقع القائم تطيل قائمة المنظومات المنهارة.
فالعروبة أو القوميّة العربيّة بدأت تترنّح مبكراً مع الانفصال السوريّ عن «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة»، التي ضمّت مصر وسوريّة، في 1961. حتّى إذا حلّت هزيمة الناصريّة في حرب حزيران (يونيو) 1967، انطوى المشروع ولم تبق له إلاّ ذرائع منهَكَة في تبريرها أنظمة الاستبداد العسكريّ.
لكنّ الفكرة الوطنيّة تعرّضت أيضاً لهزائم متلاحقة، ربّما ظهرت بداياتها مع الحرب الأهليّة في لبنان عام 1975 ومع تصدّع المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ الذي حاول أن يرث القوميّة العربيّة. إلاّ أنّ المؤكّد أنّ انهيار العراق، بعد تحريره واحتلاله في 2003، شكّل الضربة القاصمة للمشروع المذكور.
وفي هذه الغضون أصاب الديموقراطيّة، ومعها الليبراليّة والنيو ليبراليّة، ما سبق أن أصاب الاشتراكيّة من قبل. ذاك أنّ الأخيرة التي فقدت موقعها العالميّ بانهيار الاتّحاد السوفياتيّ وكتلته، فضلاً عن تحوّل الصين إلى اقتصاد السوق، لم تُلهب مرّةً مخيّلة الشعوب العربيّة ولم تصنع قناعاتها العريضة. صحيح أنّ العراق والسودان عرفا حزبين شيوعيّين شعبيّين، إلاّ أنّهما شكّلا الاستثناء الذي يبرهن القاعدة، سيّما وأنّ انصرام الوقت الضائع، وقت الانخداع بالأوطان والتحديث، وافتتاح زمن الهويّة، فتّتا الحزبين وألحقاهما بجماعات الهويّة إيّاها.
أمّا البسملة والحمدلة بالديموقراطيّة، لا سيّما في مناخ حرب العراق في 2003، فلم تحجبا المصاعب الهائلة في الانتقال إليها في بلدان مفتّتة ومتنازعة. وبالفعل ما لبثت هذه المصاعب الهيكليّة أن ابتلعت الديموقراطيّة التي لم يبق منها إلاّ مصوّتون لطوائفهم وبرلمان موزّع بين طوائف متزايدة الطائفيّة ومتزايدة العنف. وفي السياق ذاته تحوّل التبسيط النيو ليبراليّ لبعض منظّري العولمة، عن العالم كقرية كبرى، إلى مزاح سمج في عالمنا الذي «تضمّ كلّ قرية فيه عالماً كبيراً» (التعبير للباحث الشابّ فادي بردويل).
أمّا الليبراليّة، وهي دائماً أضعف من الاشتراكيّة الضعيفة، فشاركتها التقلّص إلى أمزجة فرديّة أو نخبويّة ضيّقة لا تكتم عجزها عن تجريب ذاتها في منطقة تفتقر إلى الدول وإلى توطّد المجتمعات.
لكنْ مع الثورات العربيّة، امتُحن الإسلام السياسيّ بوصفه «الحلّ»، على ما يقول «الإخوان»، فانتهى الأمر انتكاسة في مصر وكارثة في المشرق الآسيويّ يتصدّرها انفجار التنازع السنّيّ – الشيعيّ وصعود حركات كـ»داعش» و»النصرة».
في هذه الغضون انهار ما يمكن أن نسمّيه نظريّة الثقافة العربيّة التي حاولت، من خلال الثنائيّات الجوهريّة، أن تحاكي النظريّات الكبرى، عبر مواقف صارخة من «الحداثة» و»الأصالة» أو «المعاصرة» و»التراث» يراد لها أن تصاغ قانوناً.
ولا شكّ أنّ هذا التصفير وذاك العري من المرتكزات التي تسعى الأنظمة العسكريّة والاستبداديّة إلى البناء عليها، وإلى إقناعنا تالياً بأنّها هي وحدها ما يملأ الفراغ الكبير، بعدما أمعنت تلك الأنظمة نفسها في التفريغ الذي نعيشه الآن.
وبالفعل، فالاستجابة الفكريّة العربيّة للمخاض الجيولوجيّ الراهن حجّةٌ في يد العسكريّين والمستبدّين الذين يطيب لهم التباهي بعطالة المثقّفين وثقافتهم.
لكنْ كائناً ما كان الأمر، يتبدّى أنّ وداع الإيديولوجيّات الكبرى حافز، ولو مبدئيّ، على الرجوع إلى الواقع لمحاولة التعرّف إليه بانشقاقاته وتفاصيله وأرقامه التي لم تُعرها تلك الإيديولوجيّات الأهميّة التي تستحقّ.
فالسوسيولوجيا لا الإيديولوجيا، على ما كتب ذات مرّة الزميل حازم الأمين، قد تكون الممرّ الإجباريّ لفهم صحيح بيّنت الثورات درجة افتقارنا إليه. ألم تنشأ السوسيولوجيا نفسها، مع أوغست كونت، عن إحباطات الثورة الفرنسيّة كما عبّرت عنها «الثورة المضادّة» مطالع القرن التاسع عشر؟
في أغلب الظنّ أنّ المعنى الوحيد اليوم لأولويّة الهمّ الثقافيّ يكمن هنا.

omantoday

GMT 22:20 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 22:19 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 22:17 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 22:16 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 22:15 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 22:14 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 22:13 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 22:12 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الواقع لا الأفكار المُسقطة عليه الواقع لا الأفكار المُسقطة عليه



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:33 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
 عمان اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab