حازم صاغية
يتقدم تنظيم «داعش» بمخيلة شيطان وبإصرار مؤمن. وفيما هو يمضي في قتاله على جبهة لم تكن مرة موحدة وطويلة كما هي الآن، يتهافت عليه شبان (وشابات) من سائر أنحاء الأرض. فالأمر، والحال هذه، أكثر من فانتازيا ماضوية تخيلنا ذات مرة أنها المعنى الوحيد لـ «الخلافة».
يوم الخميس الماضي، نشرت «نيويورك تايمز» تحقيقاً كتبه ديفيد كيركباتريك عن هؤلاء الشبان الذين يفدون إلى «داعش» من تونس، البلد الأكثر تصديراً للمجاهدين ممن يقصدون سورية والعراق، على رغم أنها تعيش لحظة ثورية تستغرق البلد وتعبئ طاقاته، كما تشي باحتمالات نجاح نسبية لم تُكتب لبقية الثورات العربية. وهذا فضلاً عن أن الوضع التونسي الجديد فتح الباب لتعددية سياسية استعرضت الأحد الماضي آخر انتخاباتها النيابية التي ستتلوها انتخابات رئاسية، ما ينم عن أن ربط الإرهاب بعامل أوحد، هو هنا القمع، قد لا يكون كافياً أو دقيقاً.
على أي حال، فإن ما ستكتفي به هذه الأسطر هو نقل بعض عبارات تفوه بها شبان تونسيون أجابوا عن سؤال الصحيفة الأميركية: لماذا الحج الجهادي إلى سورية والعراق؟
«هناك الكثير من العلامات على أن النهاية (نهاية العالم) وشيكة، بحسب القرآن»، يقول أيمن، 24 سنة، الذي كان يسترخي مع أصدقائه في المقهى. وهو، مثل سواه، امتنع عن إعطاء اسمه الكامل خوفاً من مطاردة الشرطة.
بلال، عامل في مكتب، كان يجلس في مقهى آخر، هلل لـ «الدولة الإسلامية» بوصفها قاطرة مقدسة ستطيح في النهاية الحدود العربية التي رسمتها بريطانيا وفرنسا مع نهاية الحرب العالمية الأولى: «فتقسيم البلدان (عمل) أوروبي»، كما قال بلال، 27 سنة، «ونحن نريد أن نجعل المنطقة دولة إسلامية سوية، ومن سورية ستكون البداية».
مراد، 28 سنة، وهو الذي قال إنه يحمل شهادة جامعية متقدمة في التكنولوجيا إلا أنه لم يحصل على عمل إلا في البناء، سمى «الدولة الإسلامية» الأمل الوحيد بـ «العدالة الاجتماعية»، ذاك أنها ستمتص مَلَكيات الخليج الغنية بالنفط وتعيد توزيع ثرواتها، فـ «هي الطريق الوحيد لكي تعاد للناس حقوقهم الصحيحة»، كما قال، مضيفاً: «إنها واجب على كل مسلم».
وقد أصر كثيرون على أن أصدقاءهم الذين انضموا إلى «الدولة الإسلامية» أرسلوا تقارير إلى أقاربهم عبر أجهزة الإنترنت حيث يقيمون، مثلما أرسلوا أجوراً، لا بل نساء. «إنهم يعيشون أفضل منا»، كما قال وليد، 24 سنة.
وسام، 22 سنة، قال إن صديقاً غادر قبل أربعة أشهر أخبره أنه «يعيش حياة لطيفة ومريحة حقاً» في ظل «الدولة الإسلامية».
هكذا يلوح الجهاد «الداعشي» حيزاً عريضاً يتسع لكل شيء، للإيماني والخرافي والسياسي والاقتصادي، للمحافظ وصولاً إلى معانقة السلف الصالح وللثوري حتى تدمير هذا العالم ومعانقة العدم المحض، للغيري الذي لا يفكر بنفسه وللانتهازي الذي لا يفكر إلا بنفسه، للأخلاقي الذي يترادف عنده الدين والأخلاق وللسافل الذي يستخدم الدين كي يطعن به الأخلاق، وطبعاً ودائماً للشخصي بما هو وصفٌ لعلاقة الفرد مع جماعة ولمدى تكيفه مع محيط.
هكذا يصير مفهوماً أن يتوجهَ إلى سورية أشخاص يمتون بصلة يعونها إلى الإسلام، وآخرون يمتون بصلة لا يعونها إلى إسلام لا يعونه، وعلى أطراف هؤلاء وأولئك يتسع المجال لشبان لا تربطهم بالإسلام صلة!