حكام لبنان وشبّانه

حكام لبنان وشبّانه

حكام لبنان وشبّانه

 عمان اليوم -

حكام لبنان وشبّانه

حازم صاغية

مهينٌ أن يُسمى المرء سياسياً في لبنان. فالسياسي، أكان في 14 آذار أو في 8، لا يترادف في أذهان اللبنانيين المحترمين غير المداحين وغير المستزلمين، إلا مع السفالة والنهب والجريمة. وإذا كان من أسوأ مواصفات الشعبوية هجاء السياسة وتعهيرها، فساسة لبنان هؤلاء إنما يقدمون للشعبويين ضالتهم التي تؤكد صدق اتهاماتهم.

فبخليطٍ من استخدام ذاكرات الحروب والحقد، واستنهاض العصبيات، وبالتوسع في عمل النيوليبرالية، حيث تطغى قيم السوق على اقتصاد السوق، وبقضايا يصفها أصحابها بالقداسة وهي لا تفعل غير تقديسهم هم، يعاد إنتاج هذه الفئة المتمكنة بالمال وبالمقاومة، وقبل كل شيء بلحمة الجماعة الطائفية.

وهي فئة أعيد بناؤها منذ التسعينات مافياوياً، فأهم ما يجمع الطائفة بالمافيا رابط الدم أو الدم الموسع. وفي انقسام كهذا بين «العائلات» التي يجمعها منطق الدم نفسه، نشأ الطاقم الحاكم على شكل جناحين، واحد تتلمذ على غازي كنعان وعبد الحليم خدام، وآخر على رستم غزالي.

وعند الفئة هذه بجناحيها، تزداد الحساسية نقصاناً حيال مواطنين يوالون الهبوط إلى خط الفقر أو ما دونه، إلا أنهم يُستدعون مرة أو مرتين سنوياً إلى بيروت كي يصفقوا لأمرائهم وهم يرفعون المفعول وينصبون الفاعل. أما القيم التي يشيعونها، فأكثر ما يستفحل منها توريث القطعان، بوصفه الممارسة السياسية الطبيعية. أليس هذا ما دلت عليه أخيراً تجربة أطنب جنرالها وأقاربه في وصف حداثتها؟

صحيحٌ أن الطاقم السياسي في لبنان لم يكن مرةً ناصعاً، لكنه لم يكن مرةً وسخاً إلى هذا الحد، فالبلد مزرعته حرفياً، بالمعنى الذي حمل الرومان القدامى على وصف الأبيض المتوسط بأنه «بحرنا» (مير نوستروم). وهم مثل الكالفينيين الطهرانيين ذوي الجبر الإلهي، يظنون أن الله اصطفاهم للجنة قبل أن يولدوا، لكنهم على عكس الكالفينيين، لا يعتنقون إلا التبطل والتبذير ديناً.

وقد لا تملك اللغة من تعابير الهجاء ما يستحقه هؤلاء السياسيون. إلا أن الغضب حيالهم أغنى من اللغة، خصوصاً عند فئة أخرى من اللبنانيين قد تكون النقيض التاريخي لهم.

ففي الخانة العمرية ما بين الثلاثين والأربعين، آلاف الشبان والشابات المؤهلين، ذوي الكفاءات المتقدمة والقيم العصرية، ممن حصلوا تعليمهم في مؤسسات حديثة أو في بلدان الغرب، فعرفوا أنهم أفراد ومواطنون محترمون، لا يحنون أعناقهم لسيد أو بيك أو شيخ أو جنرال. هؤلاء الذين كان ينبغي أن يكونوا صانعي القرار اليوم، ينتصب في وجوههم هذا الحاجز الصلب المدجج بالتفاهة والسطو والجريمة.

ولأن الشبان هؤلاء فتحوا أعينهم على دنياهم مع الانقسام الآذاري الكبير، فانخرطوا فيه وعولوا عليه، لم يطل بهم الأمر حتى داهمهم إحباط الآذارين: واحدهما وعدهم بجعلهم علفاً للمدافع، إن لم يكن في لبنان ففي سورية، والآخر وعدهم بجعلهم علفاً لإثراء السماسرة وأصحاب الصفقات.

وعند الشبان والشابات هؤلاء، كفت القضايا عن توفير الغطاء للسياسيين: فلا المقاومة تكفي لهضم المقاومين ولا اغتيال الحريري يكفي لهضم الحريريين. وفي هذه الغضون، كانت الثورة السورية تُظهر أن حافظ الأسد نفسه، وهو الطوطم الأكبر لجناحي فئتنا الحاكمة، ممكنٌ تمريغ صورته وتحطيم تماثيله. وهذا إلهام واستلهام.

... اليوم يغضب هؤلاء الشبان، ومن حقهم أن يغضبوا، بل من واجبهم. وهم يخطئون، ولا بد أن يخطئوا، بل من حقهم أن يخطئوا، ومن حق أي كان أن ينقد أخطاءهم، بل من واجبه. لكنْ ليس في هذه اللحظة بالذات: ففي مساء هذا اليوم ستجتمع في مواجهتهم قوى أكبر منهم وأصلب، هي قوى العهد القديم على اختلافها وتعددها. وهي، بالقمع أو بالكذب أو بالاثنين، ستحاول تبييض زعماء لبنانيين وقضاياهم مثلما تُبيَّض العملات المشبوهة، فتتلاعب بطبيعة المشكلة وتستبدلها بمشكلة زائفة هي إياها التي مضغناها سنوات طويلة ومضغتنا. ومرة أخرى قد يسقط حلم الحالمين، لكن القلب معهم ضد جوقة المحنطين الخبثاء.

معهم مهزومين ومنتصرين، مصيبين أومخطئين. أما البقية فلها كلام آخر.

omantoday

GMT 19:01 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عالم بلا عدالة

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكام لبنان وشبّانه حكام لبنان وشبّانه



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab