ليس لأنّ الثورات قامت

ليس لأنّ الثورات قامت...

ليس لأنّ الثورات قامت...

 عمان اليوم -

ليس لأنّ الثورات قامت

حازم صاغية

ثمّة رأي واسع منتشر اليوم في عديد من البلدان العربيّة، مستقياً حججه من الإحباط الراهن، ومن نشأة «داعش» و»النصرة» وأضرابهما. مفاد هذا الرأي أنّ قيام الثورات العربيّة، وخصوصاً منها السوريّة الأعلى كلفة والأكثر تعقيداً، هو ما أفضى إلى تلك الظاهرات الكارثيّة وإلى ما ترتّب وقد يترتّب عليها.

وهذا رأيٌ أسوأ كثيراً، في التحليل كما في النوايا الكامنة تحته، من الرأي المضادّ له الذي يحصر أسباب «داعش» و»النصرة» بالأنظمة القمعيّة التي قامت الثورات لإطاحتها. ذاك أنّ الرأي الأخير يقع في جوهرانيّة سياسيّة تختصر كلّ شيء في «النظام»، وربّما في امتداداته إلى «أنظمة» إقليميّة أو دوليّة فحسب، بينما الرأي الأوّل يجمع بين الجوهرانيّة الثقافيّة في إطلالها على الاحتمال العنصريّ وانتهازيّة الغرْف من الأمر الواقع، ما دام أنّه «ليس في الإمكان أحسن ممّا كان». وهذا ناهيك عن التزكية لـ»طبيعة إنسانيّة» شديدة التحمّل وذات سقف بالغ الانخفاض.

واقع الأمر أنّ ردّ الوضع البشع الراهن إلى فشل الثورات يبقى أقرب إلى الحقيقة من ردّه إلى قيام الثورات. صحيح أنّ نجاح الأخيرة ليس بذاته الدواء السحريّ المرتجى في ظلّ الافتقارات المعروفة إلى الإجماعات الوطنيّة وإلى البدائل السياسيّة والتنظيميّة، وهي افتقارات فاقمتها أوضاع إقليميّة ودوليّة شديدة الرداءة. أمّا ردّ وضع كهذا إلى اندلاع الثورات فيغفل عن حقائق عدّة في عدادها أنّ الأنظمة المعنيّة كان من الصعب جدّاً أن تستمرّ، لأنّ الموت أحد أكبر احتمالاتها، وذلك بغضّ النظر عن آرائنا ومواقفنا منها. لكنْ قبل هذا، سيكون عارياً من الأخلاق مَن يقول للسوريّ أن يقبل بنظام نشأ في 1963 وصار وراثيّاً في 1970، حارماً شعبه، عقداً بعد عقد، الخبز والحرّيّة والكرامة الإنسانيّة في وقت واحد. والشيء نفسه يصحّ، ولو بأقدار من التفاوت، في سائر البلدان التي خضّتها ثورات «الربيع العربيّ». فهناك خلف هذه الواجهة الكلاميّة مطالبة للكائن الإنسانيّ بأن ينزع إنسانيّته، وأن يقبل، راضياً مرضيّاً، صيغ المهانة والإذلال والإفقار كلّها. إنّه مشروع لتسريح الإنسانيّ الذي ندّعي وجوده فينا وإحالته إلى البطالة.

غير أنّنا نندفع هنا إلى مسألة أعقد: فالثورة تعريفاً ثورةٌ على سلطة دولة، وطموحٌ إلى انتزاعها. لكنْ حين ترتدّ تلك السلطة إلى مجرّد عصابة لا يهمّها من الداخل سوى عدم اعتراضه عمليّات مقايضتها مع الخارج، تاركةً المجتمع يتعفّن ويتفسّخ عاماً بعد عام، ومتيحةً لأسوأ ما في تراثاته وتقاليده أن تنمو وتقوى، من دون أيّة رغبة منها في أن تعيد صياغته على نحو أو آخر، عند ذاك تصبح الثورة نفسها مشروعاً في غاية الصعوبة، إن لم يكن في غاية الاستحالة.

فالأنظمة إذ تفشل فشلاً ذريعاً في أن تكون أنظمةً، تؤول إلى إفشال الثورات في أن تكون ثورات. في حالة كهذه تتحكّم مترسّبات التاريخ بالواقع فيما تنسدّ الآفاق أمام المستقبل، كلّ مستقبل. وربّما كانت هذه حالنا اليوم، وحال استحالتنا الكبرى، وهي تعريفاً أعقد كثيراً من تحميل الثورات المسؤوليّة عن انفجار الانحطاط في وجوهنا.

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس لأنّ الثورات قامت ليس لأنّ الثورات قامت



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab