ورطتنا وورطة أميركا

ورطتنا وورطة أميركا

ورطتنا وورطة أميركا

 عمان اليوم -

ورطتنا وورطة أميركا

حازم صاغية

 في 1979 غزا الاتّحاد السوفياتيّ أفغانستان. الإثنيّات والقبائل الأفغانيّة ردّت بـ «الجهاد» دفاعاً عن «الأهل» وحرّيّاتهم الطبيعيّة. الأميركيّون عثروا في الهبّة الأفغانيّة على ضالّتهم: سوف نحوّل أفغانستان إلى فيتنام السوفياتيّة، وهناك نحسم الصراع وننهي الحرب الباردة. مع هذا لم تصل الأسلحة الأميركيّة النوعيّة، وفي طليعتها صاروخ «ستينغر»، إلاّ بعد خمس سنوات. وفعلاً فإنّها ما إن وصلت حتّى بدأ الانحسار السوفياتيّ تقهقراً ثمّ انسحاباً. وبمعزل عن مدى تأثير الهزيمة الأفغانيّة في المصائر السوفياتيّة اللاحقة، فالمؤكّد أنّها أثّرت، والمؤكّد أنّ الاتّحاد السوفياتيّ كفّ عن الوجود.

لكنّ أفغانستان، التي لم تعرف الاستعمار ولا تحمّلت إصلاحات أمان الله خان مطالع القرن الماضي، عادت إلى سيرتها القديمة: إلى الاحتراب على أساس إثنيّ ومناطقيّ. ولم يوقف تلك الفوضى إلاّ نظام مرصوص، أسوأ من الفوضى، فرضته حركة «طالبان» حين رفعت أعلامها في كابول.

آنذاك ردّد غربيّون ناقدون لسياسات واشنطن نقدين: أنّ الولايات المتّحدة لم ترسل، مع صواريخ «ستينغر»، كتب «الآباء المؤسّسين» لأميركا، أي أنّها لم تحاول تثقيف الأفغان بالديموقراطيّة والليبراليّة، والثاني أنّها انسحبت من أفغانستان قبل أن ترسي فيها نظاماً مستقرّاً قابلاً للحياة.

النقد الأوّل قد يكون صحيحاً نظريّاً، أو بالأحرى تخطيطيّاً. لكنْ ينبغي أن نتذكّر أنّ الأفغان حين تسلّموا «ستينغر»، صاغوا معادلة شهيرة عن التحالف بين القرآن و»ستينغر»، وأنّ التحالف هذا هو وحده ما يقوّض امبراطوريّة الكرملين. وقد يكون نشر تعاليم جيفرسون مفيداً في كل الأحوال، إلاّ أنّ الاستهانة بإسلام الأفغان المتقاطع مع تراكيبهم الإثنيّة أقصر الطرق إلى الكارثة. إنّ تعاليم جيفرسون ستطأطىء رأسها في أفغانستان أمام تعاليم المدرسة الديوبنديّة.

أمّا النقد الثاني فكان يثير مسألة أخرى: الاحتلال. فلو بقي الأميركيّون آنذاك في أفغانستان لإرساء نظام قابل للحياة لاستهدفهم الطلب الطبيعيّ على الحرّيّة، عند الباشتون والطاجيك والأوزبك والهزارا وسواهم، مثلما استهدف السوفيات من قبلهم، ولكانت نزعة الافتخار الأهليّ وَصَمَتهم محتلّين. وهذا وصف مطابق لواقع الحال. ولو انسحب الأميركيّون، وهو ما فعلوه، فالنتيجة انفجار الفوضى الإثنيّة دمويّاً، وهو ما حدث فعلاً بحيث حضّ على طلب الخلاص في «طالبان».

المسألة نفسها عادت لتُطرح في العراق بعد إطاحة صدّام حسين في 2003. فالبقاء احتلال تمّ تجريبه، والانسحاب مدخل إلى فوضى طائفيّة وإثنيّة دمويّة بدورها، وهذا أيضاً ما تمّ تجريبه ولا يزال قيد التطبيق.

وفي ذلك، على عمومه، ورطة يصعب تجاهلها أو تبسيطها بـ «الصواب السياسيّ»، خصوصاً أنّ النتائج التي انتهت إليها تجارب عدّة متشابهةٌ جدّاً. ففوضى التفتّت الدمويّ عرفها ويعرفها العراق الذي تعرّض لاحتلال أميركيّ كامل، وعرفتها وتعرفها ليبيا التي تعرّضت لتدخّل أطلسيّ جزئيّ ومن الجوّ، ثمّ عرفتها وتعرفها سوريّة التي لم تتعرّض لأيّ تدخّل غربيّ أميركيّاً كان أو أطلسيّاً.

وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أنّ السوفيات كان ينبغي أن يبقوا في أفغانستان، أو أنّ صدّام حسين ومعمّر القذّافي وبشّار الأسد كان ينبغي ألاّ يطاحوا. لكنّ ما تثيره مجتمعاتنا يبدأ حكماً بالتخلّص من الأنظمة والحكّام المذكورين إلاّ أنّه لا ينتهي عندها. ذاك أنّ تأسيس الشعب، وهو مهمّة ثقافيّة وسياسيّة في آن، لا بدّ أن يكون مُتَخيّلاً في طلب «الأهل» للحرّيّة، تماماً بالقدر الذي تكون فيه تلك الحرّيّةُ المناخَ الوحيد الصالح لذاك التأسيس.

أمّا أن تكون الورطة أميركيّة فهذا صحيح. إلاّ أنّ أميركا، بما تملكه من سينيكيّة ومن انتهازيّة تلازمان إدارة الدول ومصالحها، تستطيع أن تتحايل على ورطتها باستراتيجيّات جديدة وبحلفاء آخرين. ولربّما اندرج في الإطار هذا «الحوارُ» مع إيران والتكهّنات الدائرة عن إطالة عمر الأسد. وأمّا أن تكون الورطة ورطتنا نحن، فذاك ما يرقى إلى سويّة الوجود والعدم.

omantoday

GMT 13:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الخوف صار هذه الناحية

GMT 13:34 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل يستمر الصراع على سوريا؟

GMT 13:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

البيضة والدجاجة في السوشيال ميديا

GMT 13:31 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل «حرَّر» الشرع إيران من الإنفاق على المنطقة؟

GMT 13:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الاسم والنجم في دمشق

GMT 13:29 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

التغيير وعواقبه

GMT 13:27 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ورطتنا وورطة أميركا ورطتنا وورطة أميركا



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:33 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
 عمان اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab