الامتحان الذي سقط فيه بوتفليقة…

الامتحان الذي سقط فيه بوتفليقة…

الامتحان الذي سقط فيه بوتفليقة…

 عمان اليوم -

الامتحان الذي سقط فيه بوتفليقة…

خيرالله خيرالله

المكان الوحيد الذي تستطيع الجزائر إظهار أنها قوة، هو الداخل الجزائري، أي رفاه الجزائريين وإقامة علاقة طبيعية مع الدول المجاورة، ولا شيء آخر غير ذلك.. إنه الامتحان الذي سقطت فيه الجزائر مرة أخرى.

يخيّل لمن يسمع كلام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الموجه في رسالة إلى ملك المغرب محمّد السادس في مناسبة العيد التاسع والخمسين للاستقلال، أن الرئيس الجزائري أقدم منذ وصوله إلى الرئاسة على خطوة ما في اتجاه إقامة علاقات طبيعية بين البلدين.

تبدو الرسالة أقرب إلى كلام إنشائي أبعد ما يكون عن الجدّية، نظرا إلى التناقض المكشوف بين التمنيات، التي تبدو أقرب إلى المجاملات، من جهة والواقع الأليم للعلاقات بين البلدين الجارين من جهة أخرى.

قال بوتفليقة، العائد من رحلة علاجية قصيرة إلى فرنسا، في رسالته الموجّهة إلى العاهل المغربي: “وإذ أشاطركم والشعب المغربي الأفراح، فإنّه لا يفوتني أن أجدد حرصي على توثيق علاقات الأخوّة التي تربط بين بلدينا والارتقاء بها لتشمل كلّ المجالات”.

هل من كلمة تعني شيئا، على علاقة بالواقع، في الرسالة؟ ما الذي يثبت أنّ هناك رغبة جزائرية في إقامة علاقات “أخوّة” مع المغرب؟

الجواب بكلّ بساطة أن ليس ما يشير إلى ذلك في أيّ شكل. كلّ ما هناك أنّ الجزائر ترفض حتّى البحث في إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عشرين عاما بالتمام والكمال. لم تكتف الجزائر بتأكيد رغبتها في إبقاء الحدود مغلقة. رفضت البحث في المسؤولية عن الحادث الحدودي الذي وقع الشهر الماضي عندما أطلق رجال الأمن فيها النار على مواطنين مغاربة داخل الأراضي المغربية. رفضت حتّى التحقيق في ظروف الحادث الذي أصيب فيه مواطن مغربي بجروح. بدا وكأنّ المطلوب تأكيد أن لا مجال لمناقشة أي موضوع من شأنه أن يمهّد لتعاون وتنسيق بين البلدين، حتّى في الأمور الإنسانية.

سبق لمحمّد السادس أن هنّأ بوتفليقة في الذكرى الستين لاندلاع الثورة الجزائرية، أكّد العاهل المغربي، مجددا، وجوب إقامة علاقات أكثر من طبيعية بين البلدين. الفارق بين الموقفين الجزائري والمغربي في غاية الوضوح، بل على طرفي نقيض. إنّه فارق بين الكلام الجزائري الجميل الذي يظلّ كلاما من جهة، والكلام المغربي المقرون بالأفعال من جهة أخرى.

تعتبر الرباط أنّ من الطبيعي تطوير العلاقات بين البلدين خدمة للمصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي، فيما في الجزائر من يصرّ على الهرب إلى الخارج من أجل التغطية على الأزمات الداخلية المتلاحقة التي يشهدها البلد منذ استقلاله في العام 1962 والتي بلغت ذروتها خريف العام 1988 لدى اندلاع ثورة حقيقية ما لبث المتطرفون أن تلقفوها وأدخلوا البلد في دوامة العنف التي استمرّت ما يزيد على عشر سنوات.

لا شكّ أن الدور الذي لعبه الجيش الجزائري كان حاسما في القضاء على الإرهاب تمهيدا لوصول بوتفليقة إلى الرئاسة في العام 1999. ساهم الرئيس الجزائري بدوره في مجال استتباب السلم الداخلي وترسيخه عبر مصالحات وطنية.

تمكّن من ذلك بفضل الخبرة الطويلة التي اكتسبها منذ كان شابا. كان مفترضا أن يتوسّع دوره إلى ما هو أبعد من الداخل. المؤسف أنّ السياسة الخارجية للجزائر بقيت تراوح مكانها. تقوم هذه السياسة المبنية على لغة خشبية، على الاستثمار في كلّ ما من شأنه إثارة القلاقل في دول الجوار وذلك كي تثبت الجزائر أنّها قوّة إقليمية.

لم يستطع بوتفليقة، الذي شاء ارتداء بذلة هواري بومدين، التخلّص من العقدة الجزائرية المتمثلة في وهم الدور الإقليمي.

لا يختلف اثنان على أن الحال الصحيّة لبوتفليقة كانت تفرض عليه عدم الترشّح لولاية رابعة. لكنّ مراكز القوى التي تدعمه والتي لا تستطيع القبول ببديل منه في المرحلة الراهنة، فضّلت أن يبقى في الرئاسة لإدارة البلد المهمّ من كرسيّه النقال. لا يزال الرئيس المريض المقيم خارج قصر الرئاسة في العاصمة (المرادية) قادرا على اتخاذ القرارات الكبيرة، ولكنّ من الواضح أنّ ما يريح الدائرة الضيّقة المحيطة به هو التمسّك بكلّ ما هو قديم، أيّ بالنهج الذي جعل الجزائر غير قادرة على التعاطي مع جيرانها من منطلق أنّ المنطقة تغيّرت، وأن ما كان ممكنا في عهد بومدين صار من رابع المستحيلات اليوم.

لا تزال الجزائر أسيرة العقدة الجزائرية. هناك نقطتان تؤكّدان ذلك أولاهما الحدود المغلقة مع المغرب. يخشى النظام الجزائري أن يأتي المواطن العادي إلى المغرب ليشاهد بنفسه كيف استطاع بلد لا يمتلك ثروات طبيعية تُذكر تطوير نفسه في كلّ مجال، بما في ذلك لعب دور الجسر بين أوروبا وأفريقيا.

أمّا النقطة الثانية فهي مرتبطة بنزاع الصحراء الذي هو نزاع مغربي- جزائري بالدرجة الأولى. ترفض الجزائر الاعتراف بأنّ المغرب ربح الحرب وربح السلم في الصحراء المغربية، وأنّ كلّ ما عدا ذلك مناورات مكشوفة تستهدف ابتزازه ليس إلا. لا وجود لغير لعبة وحيدة في المدينة، حسب التعبير الأميركي الشائع. هذه اللعبة هي ما طرحه المغرب وكرّره محمد السادس أخيرا في مناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لـ”المسيرة الخضراء” التي سمحت للمغرب باستعادة أراضيه. اسم اللعبة هو الحكم الذاتي للصحراء في إطار السيادة المغربية. لماذا هذا الإصرار الجزائري على تجاهل الواقع والاعتراف بأن أفضل ما يستطيع بوتفليقة عمله، في حال يريد أن يكون لديه إرث، هو توظيف الثروة الجزائرية في خدمة الجزائريين، بدل الاستثمار في كيفية إثارة القلاقل خارج الحدود الجزائرية عن طريق أداة اسمها جبهة “بوليساريو” وما شابه ذلك.

سيترك بوتفليقة، الذي يحكم من كرسيه النقّال، إرثا. يعترف كلّ من تعاطى في الشأن الجزائري أنّه استطاع إتمام شبه مصالحة وطنية أدت إلي استقرار نسبي في الداخل. أمّا الفشل الجزائري في عهده، فهو فشل كبير على الصعيد الإقليمي أوّلا. بقي بوتفليقة أسير العقدة الجزائرية. تبيّن، على الرغم من كلّ ما قام به من أجل تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية، أنّه عاجز عن اتخاذ قرارات كبيرة تجعله يدخل التاريخ. فالجزائر ما زالت دولة من العالم الثالث أو الرابع أو الخامس، تكره فرنسا، فيما طموح معظم الجزائريين هو الانتقال للعيش فيها.

ليس الموقف من الصحراء المغربية سوى تعبير عن عقدة جزائرية اسمها المغرب. إنّها أيضا تعبير عن عجز رئيس جزائري، لا مفرّ من الاعتراف بأنّه حقّق شيئا لبلده على الصعيد الأمني والسياسي، عن الذهاب إلى أبعد من ذلك. والذهاب إلى أبعد من ذلك، يعني أوّل ما يعني التخلي عن وهم القوّة الإقليمية في شمال أفريقيا. فالمكان الوحيد الذي تستطيع الجزائر إظهار أنّها قوة، هو الداخل الجزائري، أي رفاه الجزائريين وإقامة علاقة طبيعية مع الدول المجاورة، ولا شيء آخر غير ذلك.. إنّه الامتحان الذي سقطت فيه الجزائر مرّة أخرى.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الامتحان الذي سقط فيه بوتفليقة… الامتحان الذي سقط فيه بوتفليقة…



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab