إيران والخيار الصعب

إيران والخيار الصعب

إيران والخيار الصعب

 عمان اليوم -

إيران والخيار الصعب

بقلم : خير الله خير الله

إلى أين ستذهب إيران؟ هل تذهب إلى الانسحاب من الجنوب السوري، تمهيدا للانسحاب من سوريا كلها، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على النظام في طهران، أم إلى مواجهة على صعيد المنطقة كلها ليس ما يشير إلى أنها قادرة على خوضها.

لن تقبل إيران الخروج من سوريا بسهولة

على الرغم من كل الكلام الصادر عن وزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم عن شرعية الوجود الإيراني في سوريا، هناك ما هو أهمّ بكثير مما يقوله بشّار الأسد أو وزير خارجيته. يحاول الأسد الابن ووزير خارجيته إقحام نفسهما في موضوع لا علاقة لهما به هو موضوع الوجود الأجنبي في سوريا. هذا الموضوع مختلف كليا عن تصوّر النظام للوضع السوري، وهو تصوّر مبني على أوهام تقيم في عقول مريضة ليس إلا.

هناك سؤال في غاية البساطة يتجاوز كلام بشّار والمعلّم: هل يمكن أن تقبل إيران بالخروج مع ميليشياتها المذهبية من الجنوب السوري ومن سوريا كلّها لاحقا؟ الجواب أن الضربات الإسرائيلية التي تلقتها أخيرا، في ظلّ تواطؤ روسي واضح، قد تكون أكثر من كافية لإقناعها بأن لا خيار آخر أمامها. السؤال يتضمّن “قد” كبيرة، نظرا إلى أن إيران تعرف تماما ماذا يعني خروجها من دمشق، ومن الجنوب السوري، ثمّ من سوريا، وانعكاسات ذلك عليها.

يبدو خيار خروج إيران وميليشياتها من الجنوب السوري خيارا صعبا بالفعل في ضوء الاتفاق الروسي-الإسرائيلي الذي وضع اللمسات ما قبل الأخيرة عليه في موسكو وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ووزير الدفاع الروسي سرغي شويغو. نفت إسرائيل الوصول إلى اتفاق نهائي إذ تريد إيران خارج سوريا كلّها وليس من الجنوب فقط.

 لكنّ الواضح أنّ ما توصّل إليه الجانبان يدخل في التفاصيل الدقيقة، إذ يتضمّن توفير ضمانات توفرها روسيا للأهالي، من المواطنين السوريين، الموجودين في مناطق معيّنة. هؤلاء، أي الأهالي، يخشون التهجير. يخشون، في أحسن الأحوال، دخول قوات تابعة للنظام بيوتهم، وبداية عملية نهب لها كما حصل في قرى غوطة دمشق وبلداتها.

سيظل السؤال الحقيقي المطروح ما التعويض الذي ستحصل عليه إيران في سوريا نتيجة اضطرارها، عاجلا أم آجلا، إلى الخروج من سوريا كلّها، هذا إذا كان هناك من هو مستعد لإيجاد مثل هذا التعويض ودفع ثمنه.

كانت إيران، ولا تزال، تعتقد أنّ دمشق والجنوب السوري يشكلان الجائزة الكبرى التي تسمح لها بلعب دور أكبر على الصعيد الإقليمي من جهة، وتتويج سلسلة الانتصارات التي حققتها منذ سلمتها الولايات المتحدة العراق على صحن من فضّة في العام 2003 من جهة أخرى. صار عليها الآن، بدل البحث عن تعويض، التفكير جدّيا في مخرج من سوريا كلّها. هل يمكن لإيران نسيان وجود سوريا في ظل حاجتها الدائمة إلى جسر يربطها بـ“حزب الله” في لبنان وبالدويلة التي أقامها فيه؟

ستبحث إيران عن تعويض ما في حال اضطرت في يوم قريب لالتزام الاتفاق الروسي-الإسرائيلي الذي يظهر أنّه لم يكتمل بعد. إنّها تعرف قبل غيرها أن هناك أطرافا أخرى على علاقة مباشرة بأي اتفاق يمكن أن يحصل، وأن عليها أن تأخذ ذلك في الاعتبار. على رأس هذه الأطراف الولايات المتحدة والأردن المعني مباشرة بما يدور على طول حدوده مع سوريا. كان الاقتراب الإيراني والميليشيوي المذهبي من هذه الحدود همّا دائما في عمان التي لديها تجاربها مع “حزب الله” منذ ما يزيد على عشرين عاما.

سيظل السؤال الحقيقي المطروح ما التعويض الذي ستحصل عليه إيران في سوريا نتيجة اضطرارها، عاجلا أم آجلا، إلى الخروج من سوريا كلها، هذا إذا كان هناك من هو مستعد لإيجاد مثل هذا التعويض ودفع ثمنه

الأكيد أن إيران ستقاوم الاتفاق الروسي-الإسرائيلي الجاري العمل عليه. ستحاول الالتفاف على الاتفاق، خصوصا أن الهدف الروسي، في نهاية المطاف، هو إبعادها عن دمشق حيث يسعى بشّار الأسد، بعد فوات الأوان، إلى اللعب على أي تناقضات روسية-إيرانية. كان آخر دليل على ذلك كلام وليد المعلم الذي لا يمتّ للحقيقة بصلة عن شرعية الوجود الإيراني، وعن الربط بين الانسحاب الإيراني والانسحاب الأميركي من التنف.

 قبل ذلك، قال رئيس النظام في مقابلة تلفزيونية مع فضائية “روسيا اليوم” أن لا جنود إيرانيين في سوريا، وان الضربات الإسرائيلية الأخيرة استهدفت قوات سورية. على من يضحك بشّار في وقت بات معروفا أن إيران نفسها اعترفت بسقوط قتلى لها في سوريا؟ لم يعد سرّا أن إيران موجودة أكثر من أيّ وقت وبقوّة في دمشق، وأنها تلعب دورا أساسيا في عملية التطهير ذات الطابع المذهبي التي تشهدها عاصمة الأمويين وكلّ المناطق المحيطة بها.

لجأت إيران إلى ورقة النظام السوري كي تتفادى الرضوخ للاتفاق الروسي-الإسرائيلي الذي هو قيد الإعداد. قال المعلم في مؤتمر صحافي “لا تصدّقوا أي تصريحات عن اتفاق في الجنوب إلا بعد انسحاب الولايات المتحدة من التنف”.

لن تقبل إيران الخروج من سوريا بسهولة، في وقت تعرف أن لا خيار آخر أمامها غير الحرب. يعرف النظام فيها، قبل غيره، أنّ الخروج من دمشق سيعني الخروج من طهران. أكثر من ذلك، استثمرت إيران مليارات الدولارات في مشروعها السوري الذي يستهدف، بين ما يستهدفه، تغيير طبيعة المجتمع في هذا البلد وإبقاء الجسر القائم مع دويلة “حزب الله” في لبنان.

من غير الطبيعي قبول إيران بالاتفاق الروسي-الإسرائيلي الذي لا يزال قيد الإعداد. لكن المأزق الذي وجدت إيران نفسها فيه يعود قبل كل شيء إلى أن البديل من الاتفاق هو مواجهة لا تستطيع فيها تحقيق أي انتصار من أيّ نوع.

كان مسموحا في الماضي لإيران تحقيق انتصارات في حروبها. لم تكن انتصاراتها في أيّ يوم على إسرائيل. كانت انتصاراتها في الواقع على لبنان. هذا ما حصل صيف العام 2006. كانت القضية الفلسطينية في كلّ وقت مجرّد سلعة تصلح لكل أنواع المساومات. جاء الآن من يقول لها أن كفى تعني كفى. ليست إسرائيل التي تقول كفى لإيران، بل الإدارة الأميركية الحالية التي تعرف، أقله نظريا، ما هي إيران وما خطورة مشروعها التوسّعي في الشرق الأوسط والخليج وما يتجاوزهما.

ما على المحكّ يتجاوز إسرائيل إلى الترتيبات الأمنية في المنطقة كلّها في إطار اتفاق أميركي-روسي سيحدد مستقبل العلاقات بين واشنطن وموسكو وطبيعتها. من سوء حظ إيران أن الاتفاق الروسي – الإسرائيلي، الذي لم يكتمل بعد، يندرج في هذا السياق، كما يندرج في سياق أزمة كبرى تواجه النظام في طهران.

في أساس هذه الأزمة تدهور الاقتصاد في بلد قرر لعب دور أكبر من حجمه على الصعيد الإقليمي عن طريق التمدد في اتجاهات مختلفة، وصولا إلى اليمن. الأكيد أن كلام بشّار الأسد ووليد المعلّم لا يمكن أن يوفر حبل نجاة لإيران. هل من عاقل يستطيع الاعتماد على نظام لا يمتلك أيّ شرعية من أيّ نوع، مرفوض من أكثرية شعبه؟ ما كتب قد كتب. بات أمام إيران في سوريا الاتفاق الروسي-الإسرائيلي، غير المكتمل بعد، والوجود الأميركي شرق الفرات. وبات أمامها في لبنان القرار 1701، وبات أمامها في الخليج القرار السعودي بالمواجهة، وبات أمامها في غزّة اضطرار “حماس” للانصياع لمصر.

إلى أين ستذهب إيران؟ هل تذهب إلى الانسحاب من الجنوب السوري، تمهيدا للانسحاب من سوريا كلّها، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على النظام في طهران… أو إلى مواجهة على صعيد المنطقة كلّها ليس ما يشير إلى أنّها قادرة على خوضها.

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

omantoday

GMT 08:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

الحقد الاسود

GMT 10:20 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الشرطي الشاعر

GMT 01:50 2019 الأحد ,25 آب / أغسطس

عن «الحشد» و«الحزب»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والخيار الصعب إيران والخيار الصعب



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى
 عمان اليوم - إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم
 عمان اليوم - أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
 عمان اليوم - اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

طرق فعالة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 عمان اليوم - طرق فعالة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 عمان اليوم - كريم عبد العزيز يتحدث عن الرقم واحد وهذا ما قاله عن هنا الزاهد

GMT 10:02 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 عمان اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

طرق فعالة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab