تمر ذكرى انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 كأن شيئاً لم يكن. مجرد مأساة أخرى تضاف الى سجل المآسي اللبنانية، التي إما يرتكبها السلاح غير الشرعي وإما يحمي مرتكبيها.
منذ اندلاع الحرب اللبنانية في 13 أبريل 1975، لا يزال لبنان يلعب دور «الساحة» بعدما كرّس «اتفاق القاهرة» المشؤوم في العام 1969 وجود سلاح آخر على الأرض اللبنانيّة غير سلاح الجيش اللبناني. كانت البداية مع السلاح الفلسطيني الذي جلب الوصاية السورية. انتهى الأمر بالسلاح الإيراني وسقوط البلد تحت الاحتلال.
كان «اتفاق القاهرة» بداية النهاية للبنان، إذ كان يعني أن الدولة اللبنانية مستعدة للتخلي عن سيادتها على جزء من أراضيها...
لم يستطع لبنان الخروج من هذا الدور، دور «الساحة»، بعدما صار البلد مجرّد أداة تستخدمها قوى خارجية من أجل تمرير رسائلها إلى العالم من جهة وتأكيد أنّها الرقم الصعب في المنطقة كلّها من جهة أخرى.
ليس الوضع الراهن، مع كلّ ما يرافقه من انهيارات لا قعر لها، سوى نتيجة طبيعية لتخلي الدولة اللبنانيّة عن سيادتها على جزء من أرضها.
لا يمكن تصوّر دولة في العالم على أرضها جيشان لكلّ منهما أجندة خاصة به.
أجندة الجيش اللبناني حماية لبنان واللبنانيين، فيما أجندة «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، خدمة «الجمهوريّة الإسلاميّة» وبرنامجها التوسعي الذي يقوم على جعل لبنان «ساحة» لا أكثر.
تمرّ هذه الأيام الذكرى الثالثة لتفجير مرفأ بيروت. لا يوجد في لبنان من يستطيع كشف الحقيقة ومن تسبب بالكارثة.
يعود ذلك إلى وجود لبنان «الساحة». لم يكن ناقصا للتأكّد من ذلك غير فرض «حزب الله»، أي ايران، ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر 2016.
نفّذ عون مع صهره جبران باسيل، كلّ ما هو مطلوب منه. شمل ذلك في طبيعة الحال، تغطية تفجير مرفأ بيروت، الذي دمّر ثلث المدينة والذي كان ضربة قوية للعاصمة اللبنانية وللأحياء المسيحية خصوصاً، في الوقت ذاته.
كان ذلك عند ما قطع عون الطريق، مباشرة بعد التفجير، على أي تحقيق دولي من أي نوع.
لا توجد في لبنان جريمة واحدة عُرف من يقف وراءها غير جريمة اغتيال رفيق الحريري. لم يكن ممكناً معرفة الحقيقة، لولا التحقيق الدولي.
في كلّ الجرائم، التي تعاقبت منذ اغتيال معروف سعد في فبراير 1975 في صيدا، وكمال جنبلاط في مارس 1977 في منطقة الشوف، مروراً باغتيال المفتي حسن خالد، ورئيسين للجمهورية هما بشير الجميّل ورينيه معوّض، لم يعرف شيء عن الحقيقة ومن وراء هذا النوع من الاغتيالات.
لم يوجد حتّى من يحقق بالجرائم التي تلت اغتيال الحريري أو سبقته مثل جريمة محاولة اغتيال مروان حمادة في أوّل أكتوبر 2004.
ليس هناك من يريد معرفة شيء لا عن اغتيال سمير قصير أو بيار أمين الجميّل أو جبران تويني أو وليد عيدو أو أنطوان غانم أو جورج حاوي أو وسام الحسن أو وسام عيد... أو فرنسوا الحاج.
ليس هناك من يريد معرفة من وراء «سرقة العصر»، أي سرقة ودائع اللبنانيين والعرب والأجانب، وهي ودائع كانت موجودة في المصارف اللبنانيّة.
أكثر من أي وقت، لبنان مجرّد «ساحة». أكثر من أي وقت، يبدو مستقبل لبنان واللبنانيين في مهب الريح.
إلى متى يبقى لبنان «ساحة»؟
الخوف من أن يتكرّس هذا الدور أكثر مع مرور الزمن ومع الرغبة الواضحة في بقاء جريمة مرفأ بيروت... جريمة ارتكبها مجهول، علماً أنه أكثر من معروف.
معروف من خزّن «نيترات الأمونيوم» في أحد عنابر المرفأ ومن حماها وماذا كانت عليه وجهة استخدامها!