ميركل في لبنان

ميركل في لبنان

ميركل في لبنان

 عمان اليوم -

ميركل في لبنان

بقلم : خير الله خير الله

هل سيعرف لبنان كيفية الاستفادة من زيارة ميركل التي تعكس اهتماما أوروبيا به ورغبة في حمايته وتقديم مساعدات له متى توافرت شروط معينة؟ هذا هو السؤال الكبير.

لبنان ليس فقط محاولات بائسة لعرقلة تشكيل الحكومة يقوم بها ويقف وراءها يتامى النظام الأمني السوري – اللبناني الذين لفظهم الشعب بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. لبنان ليس هؤلاء الذين خرجوا من الباب الذي خرج منه النظام السوري من أرض لبنان، بعد تغطيته للجريمة، ليعودوا من نافذة الوصاية الإيرانية التي تمارس بواسطة ميليشيا مذهبية اسمها “حزب الله”. ليست هذه الميليشيا سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني الذي يسعى بكل ما يستطيع تأكيد أنّه يتحكّم بلبنان.

 لا يوجد تصريح أكثر وقاحة في هذا المجال عن ذلك الذي صدر عن الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”. تحدّث سليماني في تصريحه عن سيطرة إيران على أكثرية مكوّنة من 74 عضوا من أصل 128 في مجلس النواب اللبناني الجديد.

عندما يتحدث أحدهم عن وجود أكثرية من 65 نائبا ستوجه رسالة إلى رئيس الجمهورية من أجل اعتبار تكليف الأكثرية النيابية سعد الحريري تشكيل الحكومة “كأنّه لم يكن”، فهذا الشخص يسعى، بكل بساطة، إلى تقليد سليماني واسترضائه وتنفيذ رغباته. تتلخص رغبات قائد “فيلق القدس″، الذي يقاتل في كل العالم باستثناء القدس، بأمر واحد. هذا الأمر هو أن إيران تتحكّم بمجلس النواب الجديد وأنّها صاحبة الأكثرية فيه.

معنى ذلك انّه إمّا أن يشكل سعد الحريري حكومة ترضيها وإمّا يُسحب التكليف منه. هذا جهل بلبنان وما ينص عليه الدستور، اللهم إلا إذا كان المطلوب تنفيذ انقلاب يقود إلى وضع جديد لا يعود فيه وجود للدستور وللوسيلة المعتمدة، في الأحوال الطبيعية طبعا، في تشكيل الحكومات اللبنانية.

يمكن أن يكون لبنان على شاكلة هذه المحاولات البائسة، لكنّه يمكن أن يكون شيئا آخر مختلفا تماما في حال السماح له بالتقاط أنفاسه والاستفادة من الفرص المطروحة أمامه من جهة، والغطاء الدولي الذي يسعى إلى المحافظة عليه من جهة أخرى. كان أفضل تعبير عن وجود هذا الغطاء الدولي الزيارة التي قامت بها لبيروت قبل أيّام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

ارتدت الزيارة أهمّية خاصة لأسباب عدّة. من بين الأسباب هذه أن ميركل اختارت الذهاب إلى الأردن ثمّ إلى لبنان، حيث أمضت ليلتها، في وقت تعاني فيه مشاكل كبيرة ذات طابع داخلي.

فيما كانت ميركل في الأردن ولبنان كان وزير الداخلية في حكومتها يعترض بشدّة على سياساتها المتعلّقة باستقبال اللاجئين في ألمانيا. ليس ذلك حدثا عابرا بمقدار ما أنّه تعبير عن صعود اليمين في كلّ أنحاء أوروبا، بما في ذلك ألمانيا حيث وجدت المستشارة نفسها مجبرة على التحالف مع معترضين على سياساتها المتعلقة باستقبال لاجئين من مختلف أنحاء العالم، كي تتمكن من تشكيل حكومة.

لم تأت ميركل إلى لبنان وحدها. كان معها وفد من كبار رجال الأعمال وممثلي الشركات الألمانية. على سبيل المثال وليس الحصر كان في عدد رجال الأعمال الذين رافقوا المستشارة الألمانية رئيس مجلس الإدارة في شركة “سيمنز”. تبقى “سيمنز”، إلى إشعار آخر، من أكبر الشركات في العالم وأحد رموز النجاح الألماني في ميادين مختلفة، بما فيها إنتاج الطاقة.

ركزت ميركل والوفد المرافق لها على أهمّية لبنان والمحافظة على الاستقرار فيه. بدا واضحا من اجتماعات العمل التي انعقدت بينها وبين رئيس الوزراء سعد الحريري وفريقه الاقتصادي، أن ألمانيا مصممة على أن يكون لبنان مركزا للشركات الألمانية التي ستعمل على إعادة بناء سوريا والعراق في يوم من الأيّام.

كانت الرسالة التي بعثت بها واضحة. فحوى الرسالة أن أوروبا غير مستعدة لتقديم أي مساهمة في عملية إعادة بناء سوريا في غياب الحل السياسي “المستدام”، علما أن ذلك لا يعني التخلي عن لبنان ودعمه في تحمل عبء اللاجئين السوريين المفترض أن يعودوا إلى سوريا عندما تتوفر الظروف المناسبة لذلك.

هناك فوق ذلك اهتمام بلبنان نفسه. هذا الاهتمام أوروبي وعربي وألماني تحديدا. هناك استعداد ألماني للمساعدة في تطوير مشاريع كهربائية من أجل لبنان، وذلك بدءا بإجراء مسح شامل للوضع في الأراضي اللبنانية. لا يمكن بالطبع الردّ على هذا الكلام الايجابي بالقول إن عملية المسح أجريت، وإن لبنان ليس في حاجة إليها. هذا دليل على جهل ليس بعده جهل، وتعبير عن وجود نفسيات مريضة في داخل الحكومة اللبنانية لا تعرف شيئا لا عن ألمانيا وشركة مثل “سيمنز”، ولا عن المنطقة ولا عن العالم.

هناك اهتمام ألماني في كلّ ما من شأنه مساعدة لبنان على النهوض. تعرف ألمانيا تماما ما الذي يعاني منه لبنان، وهو بلد من دون كهرباء ولا يمتلك قدرة على معالجة مشكلة النفايات. لدى ألمانيا حلول لمشكلة النفايات الصلبة وقد عبّر مرافقو ميركل عن ذلك بكل صراحة.

باختصار شديد، هناك معرفة ألمانية في العمق بما يعاني منه لبنان وبكيفية المحافظة عليه في هذه المرحلة الحساسة التي تمرّ فيها المنطقة. لا مكان لدى الألمان لإضاعة الوقت. إنّهم أشخاص عمليون. لذلك حصروا الزيارة بمحادثات مع رئيس الوزراء وفريق عمله وبعض الوزراء المختصين، وقامت ميركل بزيارتين طابعهما بروتوكولي لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي.

هل سيعرف لبنان كيف الاستفادة من زيارة ميركل التي تعكس اهتماما أوروبيا به ورغبة في حمايته وتقديم مساعدات له متى توافرت شروط معيّنة؟ هذا هو السؤال الكبير. جاءت زيارة المستشارة الألمانية استكمالا لمؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس في نيسان – أبريل الماضي. كان هناك اهتمام ألماني خاص بكيفية إيجاد شراكة بين القطاعين الخاص والعام في لبنان بغية تنفيذ مشاريع معيّنة يستفيد منها البلد وتساعد في صموده.

في الوقت الذي كانت فيه ميركل في بيروت، كان هناك من يبحث عن وسائل لتعطيل تشكيل حكومة جديدة والدخول في مماحكات مع رئيس الوزراء المكلف. لا هدف لهذه المماحكات سوى تحويل لبنان “ساحة” يلعب فيها الآخرون، على رأسهم إيران.

لعلّ المشكلة الكبرى ليتامى النظام الأمني السوري – اللبناني، الذين اطلوا برأسهم مجددا، أنّهم لا يستوعبون أنّهم سيكتشفون قريبا أن على إيران الاهتمام بإيران. أمّا رهانهم على إعادة تأهيل النظام السوري، فهو رهان خاسر سلفا، لا لشيء سوى لأنّ النظام السوري صار من الماضي.

يستطيع هذا النظام الإتيان بنائب يفرضه “حزب الله” على اللبنانيين. مجرّد وجود هذا النائب، وآخرين غيره في البرلمان الجديد، هو دليل ولا أوضح على مدى إفلاس النظام السوري.

يكفي للتأكد من إفلاس النظام السوري أنّه صار عليه أن يكون تحت رحمة نظام مثل النظام الإيراني في حاجة دائمة إلى الهرب إلى الخارج، متجاهلا أن نصف الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.

هذا ما تدركه جيدا ألمانيا. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كانت جاءت أنجيلا ميركل إلى لبنان مع الوفد المرافق لها في هذه الظروف بالذات.

 المصدر : جريدة العرب
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

omantoday

GMT 03:59 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

حروب أهلية تجتاح العالم

GMT 03:57 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

خيار واحد وحيد للنظام الإيراني

GMT 03:54 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

انتفاضة البازار!

GMT 03:51 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

لقاء «ترامب» و«بوتين»: تقسيم مناطق النفوذ!

GMT 03:46 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

فزورة صفقة القرن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميركل في لبنان ميركل في لبنان



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:32 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج القوس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 04:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab