بقلم : خيرالله خيرالله
لا يمكن حكم لبنان عن طريق حكومة تنفّذ ما يطلبه “حزب اللّه” وتضم ممثلين عن الثنائي الشيعي وعن “التيّار الوطني الحر”. مثل هذا التفكير الأعوج سيأخذ البلد إلى الهاوية، لا لشيء لأنّ كل ما يجري حاليا يصبّ في اتجاه واحد. إنّه اتجاه إلغاء السنّة. بكلام أوضح، هناك محاولة جدّية يبذلها “حزب الله” حاليا لفرض أمر واقع جديد كان أفضل تعبير عنه الخطاب الأخير لحسن نصرالله.
في هذا الخطاب، أكد الأمين العام لـ”حزب الله” أنّه الآمر والناهي في لبنان، وأنّ على الجميع التزام توجيهاته، خصوصا في ما يتعلّق بكيفية عمل النظام المصرفي الذي يفترض أن يكون في تصرّف رغبات إيران وأدواتها في المنطقة.
ما يمرّ فيه لبنان حاليا، بما في ذلك الخلافات بين أفراد الفريق الواحد داخل الحكومة في شأن التعيينات الإدارية، يصبّ في رغبة بإلغاء السنّة لا أكثر.
هذا ما حذّر منه بطريقة غير مباشرة البيان الصادر عن رؤساء الحكومة السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمّام سلام. ممّا جاء في البيان:
“في الوقت الذي يعاني فيه لبنان أزمات سياسية واقتصادية ومالية وإدارية وقطاعية مستفحلة، تأتي جائحة الكورونا الكونية الفتاكة بالإنسان ومنجزاته وموارده وأمنه واستقراره لتزيد من عمق أزمات لبنان حدة وتعقيدا، يرى اللبنانيون كيف أن حكومتهم تتجه إلى القيام بتعيينات يُشتمُّ منها الرغبة في السيطرة على المواقع الإدارية والمالية والنقدية للدولة اللبنانية بغرض الإطباق على الإدارة الحكومية من دون الالتزام بقواعد الكفاءة والجدارة، وكذلك متغافلة عن المطالب الإصلاحية لشابات وشباب الانتفاضة (الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 17 تشرين الأوّل – أكتوبر 2019”).
ما لم يقله الحريري وميقاتي والسنيورة وسلام في بيانهم أنّ حكومة حسّان دياب تستهدف السنّة. مطلوب الإتيان بموظفين سنّة يضعون أنفسهم في خدمة “حزب الله” الذي يصوّب على النظام المصرفي اللبناني، الذي من دونه لا اقتصاد في لبنان، أي لا وجود للبنان نفسه. ما يحصل حاليا هو تتمّة لتشكيل حكومة برئاسة حسّان دياب الذي لا يمتلك أي حيثية من أيّ نوع في طائفته. هذا حلم قديم راود “حزب الله” الذي يمثّل إيران في لبنان، والذي وجد في “التيّار الوطني الحر” غطاء مسيحيا لتبرير عدائه لكلّ ما يمكن أن يمتّ بصلة من قريب أو بعيد إلى وضع طبيعي يمكّن لبنان من تجاوز مرحلة الانهيار التي يعاني منها. لذلك، كان تركيز حسن نصرالله على النظام المصرفي وعلى العلاقات العربية للبنان، خصوصا علاقته بالمملكة العربية السعودية، وعلى المجتمع الدولي الذي يستطيع مد يد المساعدة للبلد عن طريق مؤسسات دولية مثل صندوق النقد…
لا يمكن عزل ما يشهده لبنان حاليا عن أمر واقع سعى “حزب الله” إلى فرضه في العام 2005، مباشرة بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وحتّى قبل ذلك، عندما كان الاعتقاد السائد لدى الحزب والذين يقفون وراءه في دمشق وطهران أن على الجميع فهم ماذا تعنيه محاولة اغتيال الوزير الدرزي السابق والنائب الحالي مروان حمادة في أول تشرين الأوّل – أكتوبر 2004 وما تتضمّنه من رسائل في كلّ الاتجاهات. كانت هناك رسالة إلى رفيق الحريري نفسه وإلى مشروعه الذي في أساسه إعادة الحياة إلى بيروت. وكانت هناك رسالة إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي بدأ يضيق خلقه بنظام الوصاية السوري – الإيراني. وكانت رسالة ثالثة إلى الإعلام اللبناني الذي باشر وقتذاك بطرح مسألة الوجود السوري في لبنان خصوصا في ضوء صدور القرار الرقم 1559 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فمروان حمادة، كان خال جبران تويني صاحب جريدة “النهار”.
منذ اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 وانتخابات مجلس النوّاب في السادس من أيّار – مايو 2018، نفّذ “حزب الله” المحاولة بعد الأخرى من أجل إخضاع السنّة في لبنان. هؤلاء السنّة الذين رفعوا للمرّة الأولى في تاريخ لبنان شعار “لبنان أوّلا” وأخرجوا الجيش السوري من لبنان وأخرجوا سمير جعجع من السجن وأعادوا ميشال عون من باريس. فشل “حزب الله” في الحصول على أكثرية في انتخابات 2005 ومنعه سعد الحريري من تحقيق حلمه في السيطرة على مجلس النوّاب في العام 2009. لم يمنعه ذلك من استخدام سلاحه لتعطيل الحياة السياسية في البلد عن طريق منع وصول رجل لائق، مثل الراحل نسيب لحّود، إلى موقع رئيس الجمهورية.
لماذا تبدو إيران مستعجلة في السنة 2020 من أجل تحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري؟ هل ترى أن الفرصة المتاحة أمامها لن تتوافر مجددا في ضوء ثلاثة انتصارات كبيرة حققتها ابتداء من 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2016؟
في ذلك اليوم، حقّق “حزب الله” انتصاره الأوّل عندما انتخب ميشال عون رئيسا للجمهورية. كان عون مرشّح “حزب الله” الذي رفض أن يكون هناك بديل منه في قصر بعبدا. اختبره طوال عشر سنوات وتوصّل إلى نتيجة أنّ الحقد على رفيق الحريري وعلى كلّ ما هو سنّي في لبنان جزء أساسي من تركيبة أيّ شخص ينتمي إلى “التيّار الوطني الحر”.
كان الانتصار الثاني في انتخابات مجلس النواب يوم السادس من أيّار – مايو 2018. بات لـ”حزب الله” أكثرية في هذا المجلس. استخدم الأكثرية لتحقيق انتصار ثالث. يتمثّل هذا الانتصار في فرض حسّان دياب رئيسا لحكومة لا وجود فيها سوى لموالين للحزب… مع بعض الاستثناءات القليلة جدّا.
على الرغم من أن الزمن زمن كورونا، وعلى الرغم من أنّ على لبنان التفكير مليّا في كيفية إعادة مدّ الجسور مع العرب القادرين ومع المجتمع الدولي، لا يزال “حزب الله” مستعجلا. لديه فرصة لا تعوّض للقضاء على لبنان وإقامة توازنات من نوع جديد فيه. لم يسأل الحزب ومن خلفه إيران، سؤالا واحدا في غاية الأهمّية: هل في الإمكان إعادة تركيب لبنان من دون السنّة؟ الأكيد أن ذلك ليس ممكنا، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار حجم الطائفة وانتشارها في كلّ لبنان وطبيعة هذا الانتشار. لكنّ مثل هذا السؤال لا يعود ذا شأن بالنسبة إلى حزب لا يرى في لبنان سوى ورقة إيرانية، ولا يجد في نشر البؤس والتخلّف سوى وسيلة لممارسة مزيد من الضغط على كل لبناني بغض النظر عن طائفته ومذهبه، بما في ذلك على شيعة لبنان أنفسهم.