بعد خمس سنوات على انطلاق “عاصفة الحزم”، عبر التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، لا تزال هناك أسئلة يمنية من دون أجوبة. من بين هذه الأسئلة هل لا يزال هناك مستقبل لليمن الموحّد، أم أنّه تشظّى، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة البحث عن صيغة جديدة لبلد ذي أهمّية استراتيجية كبيرة، خصوصا بسبب شريطه الساحلي الممتد من بحرب العرب إلى البحر الأحمر. طول هذا الشريط 2500 كيلومتر تقريبا.
من الصعب تصوّر بقاء اليمن موحّدا. الصعب أكثر العثور على صيغة تؤمّن حدّا أدنى من الاستقرار في كلّ المناطق اليمنية، بما يسمح بمعالجة المشاكل التي تجمع بين اليمنيين كلّهم. في مقدّم هذه المشاكل الجوع والفقر والتخلّف على كلّ صعيد وانتشار الأوبئة… وغياب التعليم.
بغض النظر عن كلّ ما قيل ويقال عن العملية العسكرية المستمرّة منذ خمس سنوات، لا يمكن عزل “عاصفة الحزم” عن الاندفاعة الحوثية، التي تقف خلفها إيران، والتي تلت مباشرة وضع ميليشيات مسمّاة “أنصار الله” بقيادة عبدالملك الحوثي يدها على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. لا يمكن تجاهل أن ستة أشهر مرّت بين استيلاء الحوثيين على صنعاء وبين انطلاق “عاصفة الحزم”. في الأشهر الستة تلك حصلت أمور كثيرة. من بين هذه الأمور تمدّد “أنصار الله” في كلّ الاتجاهات، وصولا إلى عدن وميناء المخّا الاستراتيجي. فوق ذلك كلّه، وقَّعَ الحوثيون الذين باتوا يتصرّفون كأنّهم الحكومة الشرعية في اليمن، اتفاقا مع السلطات الإيرانية المختصة لتسيير عدد كبير من الرحلات الأسبوعية بين طهران وصنعاء. في الوقت ذاته، أجرى “أنصار الله” مناورات بالذخيرة الحيّة في منطقة قريبة من الحدود السعودية.
أعطى عبدالملك الحوثي بين خريف 2014 وربيع 2015 كلّ الإشارات المطلوبة لإثارة كلّ أنواع المخاوف في الدول الخليجية من تحوّل اليمن إلى جرم يدور في الفلك الإيراني. ما لا يمكن تجاهله في تلك المرحلة أن إدارة باراك أوباما كانت في مرحلة تقارب مع إيران. تُوّجت تلك المرحلة بتوقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في شهر تموز – يوليو 2015. قبل توقيع الاتفاق، الذي ما لبث الرئيس دونالد ترامب أن مزّقه، كانت واشنطن على استعداد للتغاضي عن كلّ ما يمكن أن تفعله إيران خارج حدودها.
يمكن وضع “عاصفة الحزم” في سياق حرب دفاعية، قد تكون إيران شجعت عليها مستخدمة “أنصار الله” الذين اثبتوا استعدادهم للعب كلّ الأدوار المطلوبة منهم من دون أن يقف عبدالملك الحوثي أمام المرآة ويسأل نفسه ما المشروع السياسي والاقتصادي والحضاري الذي يستطيع طرحه على اليمنيين، باستثناء شعار مضحك من نوع “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”؟
في النهاية، شئنا أم أبينا، أدّت “عاصفة الحزم” إلى تقليص النفوذ الإيراني في اليمن. لم تعد إيران في عدن والمخا، أي لم تعد قادرة على إغلاق باب المندب الذي هو مضيق استراتيجي ذي أهمّية بالنسبة إلى العالم كلّه. هذا كلّه لا ينفي أنّ الحوثيين عادوا أخيرا من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم بعدما رسّخوا وجودهم في صنعاء ومحيطها، ووصلوا إلى الجوف في وقت ليس فيه ما يشير إلى أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث يمتلك أيّ رغبة في خروجهم يوما، بطريقة أو بأخرى، من ميناء الحديدة الاستراتيجي.
مع وضع “عاصفة الحزم” في إطارها، هناك مجموعة أسئلة أخرى لا أجوبة عنها بعد، مثل هل يمكن الرهان يوما على هامش للمناورة يمتلكه الحوثيون تجاه إيران؟ هل يمكن إدخالهم في تسوية سياسية تؤدي إلى قيام دولة خاصة بهم عاصمتها صنعاء في إطار فيديرالي؟ هل صحيح أنّ الحوثيين لا يُمثّلون رأي أكثرية المنتمين إلى المذهب الزيدي في اليمن؟
مؤسف أن تجربة قطاع غزّة لا تُطمئنُ إلى مستقبل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في ظلّ رغبة دولية، وربّما إقليمية، في حصر الوجود الحوثي في الجزء الشمالي من اليمن، مع إبقاء الوضع على حاله في تعز، عاصمة الوسط الشافعي من جهة، والسعي إلى إيجاد تسوية ما في الحديدة من جهة أخرى. تسيطر “حماس” على غزّة منذ منتصف العام 2007، ليس في العالم من يسأل عن الحال المزرية لمليوني فلسطيني محشورين في قطعة أرض ضيقة. من سيسأل عن اليمنيين الذين سيقيمون طويلا في دويلة الحوثي في ظروف لا تقلّ بؤسا عن ظروف أهل غزّة؟
ما هو مهمّ من الناحية الاستراتيجية الساحل اليمني الذي أصبح في معظمه خارج سيطرة إيران وصار يشكّل جزءا من منظومة أمنية تتجاوز اليمن إلى منطقة القرن الأفريقي وبحر العرب وخليج عدن والمناطق المحيطة، بما في ذلك جزيرة سقطرة. الأكيد أنّ تساؤلات كثيرة ستطرح نفسها في مرحلة معيّنة. هذه تساؤلات ذات علاقة بمستقبل محافظة المهرة التي لديها حدود مشتركة مع سلطنة عُمان.
بعد خمس سنوات على انطلاق “عاصفة الحزم”، لا يزال مستقبل اليمن في مهبّ الريح. لا يزال البحث عن صيغة قابلة للحياة تسمح بإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بدايته. ما يعيق تحقيق أي تقدّم، انطلاقا من تراجع الحوثيين في مرحلة معيّنة، ثمّ عودتهم إلى الهجوم، هو غياب “الشرعية” القادرة على توفير نوع من الأمان والطمأنينة للناس العاديين. الدليل على ذلك أن الوضع في عدن يتدهور يوميا على الصعيد الأمني في غياب أي قدرة لدى “الشرعية” على التعاطي بشكل إيجابي مع القوى الموجودة على الأرض، والتي يمكن أن تساعد في تحقيق حدّ أدنى من الاستقرار. لذلك، لا يمكن الحديث عن أيّ أمل بالنسبة إلى اليمن، أقلّه في المدى القريب.
ما حققته “عاصفة الحزم” من إيجابيات على الأرض في مرحلة معيّنة، على الرغم من كلّ الضحايا البريئة التي سقطت، يمكن أن يضيع في غياب التفكير الجدّي في إعادة تشكيل “الشرعية” التي على رأسها الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي.
ليس كافيا تأمين معظم الساحل اليمني وربطه بشبكة أمنية إقليمية. لا مفرّ، عاجلا أم آجلا، من عودة إلى مناقشة الموضوع اليمني من زاوية مختلفة. زاوية البحث عن صيغة قابلة للحياة تضمن حدّا أدنى من الحياة الكريمة لجميع اليمنيين. هل معنى ذلك، أن ثمّة حاجة إلى انتظار الانهيار الإيراني، الذي هو انهيار لمشروع توسّعي فقد كلّ أفق له وتبيّن مدى إفلاسه في ضوء العقوبات الأميركية ووباء كورونا؟