ليس إعلان التحالف العربي لدعم “الشرعية” في اليمن وقف النار من جانب واحد لمدة أسبوعين حدثا عاديا. يشير مثل هذا التطوّر إلى وجود رغبة إقليمية ودولية في تحوّل وقف النار هذا إلى تسوية سياسية دائمة.
هل يسعى الحوثيون بالفعل إلى تسوية سياسية أم يعانون من حال ضياع امتدادا لتلك التي تعاني منها إيران. جعلتهم حال الضياع هذه يطلقون، قبل أيّام، صواريخ باليستية في اتجاه الأراضي السعودية وكأنّ هذه الصواريخ يمكن أن تقدّم أو تؤخر أو أن تفيد اليمنيين في شيء ما. إذا كان من فائدة لهذه الصواريخ، فهي تصبّ في غير مصلحة الحوثيين الذين يثبتون يوميا أن لديهم أجندة واحدة هي الأجندة الإيرانية.
تساعد مثل هذه التسوية السياسية، التي هي هدف التحالف العربي والتي لا تزال بعيدة المنال، في إخراج اليمن من الوضع المأساوي الذي يعاني منه منذ سنوات عدّة، خصوصا أن ليس معروفا بعد مدى انتشار وباء كورونا في اليمن. سيكون لانتشار كورونا نتائج كارثية في بلد فقير لا وجود لنظام صحّي فيه. انهار هذا النظام الصحّي كلّيا بعدما عانى طويلا من إهمال حكومي. زاد هذا الإهمال بعد اضطرار علي عبدالله صالح إلى الاستقالة في شباط – فبراير 2012 ثم استيلاء الحوثيين على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014.
كلّ ما في اليمن، في الوقت الحاضر، حروب متنقلة وظلم ليس بعده ظلم يعيش في ظلّه أهل صنعاء وكلّ المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، الذين يسمّون نفسهم “أنصار الله”. هناك مناطق أخرى تعاني من ظلم الحوثيين بما في ذلك قسم من تعز في وسط اليمن حيث وجود قويّ للإخوان المسلمين الذين يتبادلون الخدمات مع “أنصار الله” من تحت الطاولة أحيانا وبشكل علني في أحيان أخرى. هذا لا يعني أن الوضع مستتبّ في الجنوب في ظل عجز “الشرعية” عن تحمّل مسؤولياتها في عدن ومناطق أخرى موجودة فيها.
أظهر التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية نضجا سياسيا كبيرا بإعلانه وقف النار من جانب واحد بعد أيّام قليلة من ذكرى مرور خمس سنوات على انطلاق “عاصفة الحزم”. لا يمكن تجاهل أن أمورا كثيرة ومعطيات في غاية الأهمّية تغيّرت في المنطقة كلّها بعدما ترافق انتشار كورونا مع هبوط كبير في أسعار النفط.
كان الهدف من “عاصفة الحزم” الحؤول دون تحوّل اليمن قاعدة إيرانية. حققت العملية العسكرية بعض أهدافها مع إخراج الحوثيين من عدن والمخا، لكنّ هؤلاء استطاعوا في الفترة الأخيرة التقدّم في الجوف ذات الأهمّية الاستراتيجية الكبيرة. كذلك باتوا على أبواب مأرب التي أصبحت مهددة بالسقوط أكثر من أيّ وقت.
هناك دوافع إنسانية وراء وقف النار، إضافة إلى الدوافع السياسية. ثمّة حاجة إلى أفق سياسي للحرب التي استمرّت أكثر ممّا يجب في ضوء رفض الحوثيين البحث الجدّي في كيفية الوصول إلى مخرج في اتجاه تسوية سياسية قابلة للحياة من نتائجها صيغة جديدة يعيش في ظلّها اليمنيون بغض النظر عن المنطقة التي ينتمون إليها.
الأهمّ من ذلك كلّه أن يكون اليمن متصالحا مع محيطه العربي وليس مستعمرة إيرانية وقاعدة لـ”الحرس الثوري” في شبه الجزيرة العربية في ظلّ انتشار كورونا.
من الواضح أنّ الحوثيين لا يلتزمون أيّ اتفاق يوقّعونه. الأدلّة على ذلك كثيرة، تشمل اتفاق السلم والشراكة مع الأطراف اليمنية الأخرى مباشرة بعد وضع يدهم على صنعاء. لكنّ الجديد حاليا يتمثّل في أنّ الحوثيين الذين حصلوا من خلال اتفاق السلم والشراكة، الذي وقّع وقتذاك برعاية ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر ثمّ من خلال اتفاق ستوكهولم، على شرعية دولية، حصلوا الآن على نوع من الاعتراف العربي. فاتفاق وقف النار من جانب واحد الذي أعلنه التحالف العربي موجّه إليهم ولم تدخل “الشرعية” التي يمثلّها الرئيس المؤقت عبدربّه منصور هادي طرفا فيه على نحو مباشر.
هل يعي الحوثيون أن وقف النار لا يعني أيّ انتصار من أيّ نوع لهم وأنّه يفترض انصباب همّهم على حماية اليمنيين من المصائب التي يبدو اليمن مقبلا عليها في منطقة سيغيّرها انتشار وباء كورونا والهبوط الحاد السريع لأسعار النفط والغاز؟
لا تشجع تجارب الماضي القريب على التفاؤل. هذا لا يمنع من إبداء ملاحظتين. الأولى أنّ مبعوث الأمين العام للأمم المتّحدة مارتن غريفيث وسّع إطار اتصالاته بدليل المحادثات التي أجراها أخيرا مع طارق محمّد عبدالله صالح الذي يقود جبهة الحديدة في مواجهة الحوثيين.
أمّا الملاحظة الثانية فتتعلّق بالحوثيين أنفسهم الذين يبدو أنّ لا هدف لهم سوى إقامة إمارة إسلامية على الطريقة الطالبانية لا تختلف في شيء عن تلك التي أقامتها “حماس” في قطاع غزّة منذ صيف العام 2007.
ما يمكن استخلاصه من أحداث السنوات الأخيرة، خصوصا منذ بدء الزحف الحوثي في اتجاه صنعاء صيف العام 2014 أن الشيء الوحيد الذي يهمّ الحوثيين هو السلطة من جهة وخدمة إيران من جهة أخرى بغض النظر عمّا يعاني منه اليمن واليمنيون.
لم يتوقّف عبدالملك الحوثي يوما أمام المرآة ويسأل نفسه عن المشروع السياسي والاقتصادي والحضاري الذي يهمّ اليمن واليمنيين. ماذا لدى “أنصار الله” يقدّمونه للمواطن العادي غير فرض الضرائب والخوّات وشراء الأراضي؟ لم يسأل نفسه ما مستوى التعليم في اليمن وهل بقي تعليم؟
يبقى الخوف في عجز الحوثيين عن استيعاب التطورات التي تجري في اليمن والمنطقة والعالم الذي غيّره وباء كورونا والذي سيتغيّر أكثر في ظلّ هبوط أسعار النفط. طرأ تراجع على اقتصاد الدول الخليجية القادرة. تمتلك هذه الدول القدرة على التعايش مع هذا التراجع الذي سيكون له تأثيره على العمالة الأجنبية فيها وعلى الاستمرار في الحروب وعلى المساعدات التي تستطيع تقديمها إلى آخرين، بما في ذلك اليمن.
لكنّ ما فات الحوثيين، الذين يرفضون الاعتراف بأنّ المشروع التوسّعي الإيراني تعرّض لهزيمة وأن الاقتصاد الإيراني في الحضيض، أن عليهم الخروج من الفكر الضيّق الذي حشروا أنفسهم فيه. يقوم هذا الفكر على شعارات فارغة أوّلا وعلى أن لا مجال لحدوث أيّ تغيير في مواقفهم السياسية من دون إلحاق هزيمة عسكرية بهم.
في الواقع، إنّهم يعانون مما هو أسوأ من هزيمة عسكرية في بلد تشظّى اسمه اليمن وفي منطقة تغيّرت فيها كلّ المعطيات التي كانت تتحكّم بسياسة الدول وردود أفعالها. في النهاية ماذا يفيد الجزء اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون إذا تحوّل إلى غزّة أخرى؟