استراتيجية غياب الاستراتيجية

استراتيجية غياب الاستراتيجية

استراتيجية غياب الاستراتيجية

 عمان اليوم -

استراتيجية غياب الاستراتيجية

بقلم : خيرالله خيرالله

الأميركيون ما زالوا شرق الفرات. الأتراك موجودون في الشمال السوري. والروس والإيرانيون في كلّ مكان، في حين تستطيع إسرائيل التي ضمت الجولان التدخل كلّما شعرت بضرورة لذلك.
المطلوب تفتيت سوريا

يدل كلام جيمس جيفري المبعوث الرئاسي الأميركي المكلف بالملفّ السوري على أنه لا وجود لإستراتيجية أميركية محدّدة في شأن كيفية التعاطي مع المستقبل السوري، باستثناء أن المطلوب تفتيت سوريا. يبدو غياب الإستراتيجية بمثابة إستراتيجية.

جاء دليل جديد يؤكد ذلك. أوضح جيفري في حديث أدلى به إلى الزميلة “الشرق الأوسط” أنه ليس لواشنطن «سياسة لتغيير النظام بالنسبة إلى السيد (بشار) الأسد». أشار إلى أن أميركا ستواصل الضغط على دمشق وحلفائها عبر العقوبات الاقتصادية والوجود العسكري شمال شرقي سوريا، ووقف التطبيع العربي والغربي إلى أن تتشكل في سوريا «حكومة جديدة بسياسة جديدة مع شعبها وجوارها”.

يظلّ تفتيت سوريا، كي لا تقوم لها قيامة في يوم من الأيّام، الرابط بين إدارتي دونالد ترامب وسلفه باراك أوباما الذي قرّر الذهاب إلى النهاية في السماح لإيران وميليشياتها المختلفة في العمل داخل سوريا كي يحصل تغيير، لا عودة عنه، في التركيبة الديموغرافية للبلد. ليس ترامب مختلفا عن أوباما في ما يخصّ مستقبل سوريا وضرورة تقسيمها.

كشف المبعوث الأميركي عن تحقيق الكثير من التقدم في المفاوضات مع تركيا في شأن إقامة «منطقة آمنة» شرق الفرات على طول الحدود السورية- التركية، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تريد خروج القوات الإيرانية من سوريا في نهاية العملية السياسة، وأن «هذا الطلب واقعي، بحيث يعود وجود القوات الأجنبية في سوريا كما كان قبل 2011». وأكد ضرورة أخذ البيانات الأميركية في شأن انتشار القوة البحرية الأميركية بشكل جدّي، إذ أن هذا الانتشار حصل «لأننا وجدنا إشارات جدية عن تهديدات إيرانية». وأكد أن واشنطن لن تسمح لإيران بملء الفراغ شمال شرقي سوريا. وما لم يقله إنّ هذه المنطقة ستكون موضع تفاهمات مع تركيا وروسيا والأكراد من السكّان المحلّيين.

لم يتغيّر شيء أميركيا بالنسبة إلى سوريا في يوم من الأيّام. يبدو أنّه لن يتغيّر شيء مستقبلا ما دام النظام ينفّذ المهمة المطلوبة. لذلك ليس هناك ما يمنع بقاءه في دمشق، من وجهة نظر واشنطن

لم يعترض أوباما يوما على التدخل الخارجي في سوريا، أكان ذلك إيرانيا أم روسيا أم إسرائيليا أم تركيا. جاء ترامب ليقول إن جزءا من الأراضي السورية يجب أن يكون تحت السيطرة التركية بطريقة أو بأخرى. هناك خلاف أميركي- تركي في شأن الأكراد والمنطقة السورية التي فيها أكثرية كردية، لكنّ لا خلاف في ما يبدو على ضرورة الوجود التركي في مناطق سورية معيّنة.

في النهاية، لا اعتراض أميركيا على بقاء بشّار الأسد في دمشق، ما دام هذا البقاء يؤدّي الغرض المطلوب. كان في استطاعة باراك أوباما، لو كان بالفعل حريصا على سوريا، الانتهاء من النظام السوري صيف العام 2013، وربّما قبل ذلك. لكنّه لم يفعل شيئا على الرغم من دعوته رئيس النظام السوري إلى التنحي. كشف تطوّر الأحداث منذ آب/ أغسطس 2013 أن سوريا، بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، مجرّد أداة وليست هدفا بحدّ ذاته. كان أوباما هدّد بأنّ استخدام السلاح الكيميائي في الحرب التي يشنّها النظام على الشعب السوري بمثابة “خط أحمر”. استخدم النظام السلاح الكيميائي صيف 2013، أدّى ذلك إلى مقتل مئات السوريين وذلك في وقت كانت المعارضة تهدّد دمشق مباشرة. فجأة، لم يعد أوباما يرى اللون الأحمر. طار “الخط الأحمر” من قاموس الإدارة الأميركية. تبيّن، بعد مرور بعض الوقت، أن المطلوب أميركيا عدم إزعاج إيران في شيء كي لا تنسحب من المفاوضات الدائرة في شأن ملفّها النووي.

اكتفت إدارة أوباما بقبول اقتراح الرئيس فلاديمير بوتين القاضي بتجريد النظام السوري من مخزون السلاح الكيميائي الذي كان يمتلكه. حصل ذلك جزئيا واستمرّت الحرب على الشعب السوري بقساوة ووحشية بعد دخول موسكو مباشرة على خط الدفاع عن النظام ابتداء من أيلول/ سبتمبر 2015.

لم يتغيّر شيء أميركيا بالنسبة إلى سوريا في يوم من الأيّام. يبدو أنّه لن يتغيّر شيء مستقبلا ما دام النظام ينفّذ المهمة المطلوبة. لذلك ليس هناك ما يمنع بقاءه في دمشق، من وجهة نظر واشنطن.

الأكيد أن إسرائيل لا تمانع أيضا في ذلك، خصوصا بعد التوصل إلى اتفاق في العمق مع روسيا في شأن الوجود الإيراني في مناطق معيّنة قريبة من الجولان الذي لم يعد محتلا، بل صار إسرائيليا بعد اعتراف الإدارة الأميركية بذلك. أصبح الجولان إسرائيليا بما يتعارض مع كلّ قرارات الشرعية الدولية. المهمّ أن يبقى النظام في دمشق، خصوصا أنّ هذا النظام لم يرد يوما استعادة الجولان المحتلّ منذ العام 1967.

في مرحلة يبدو فيها الشرق الأوسط مقبلا على تطورات كبيرة تشمل إعادة رسم خارطة المنطقة في ضوء ما تطرحه “صفقة القرن” التي وعدت بها إدارة ترامب بعد شهر رمضان، ليس ما يمنع الاستمرار في عملية تفتيت سوريا. من الواضح أن أميركا لا تمتلك حاليا استراتيجية بالنسبة إلى سوريا.

ربّما أراد المبعوث الرئاسي جيمس جيفري تأكيد أن غياب الاستراتيجية هو الاستراتيجية الأميركية في هذه المرحلة بالذات، كما في المراحل التي بدأت مع اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس من العام 2011. وقتذاك، سعت الإدارة الأميركية إلى تشجيع السوريين على متابعة ثورتهم، وقدّمت لهم وعودا كثيرة من أجل الوصول إلى الوضع الراهن. لم تنفّذ شيئا من هذه الوعود.

يظلّ تفتيت سوريا، كي لا تقوم لها قيامة في يوم من الأيّام، الرابط بين إدارتي دونالد ترامب وسلفه باراك أوباما الذي قرّر الذهاب إلى النهاية في السماح لإيران وميليشياتها المختلفة في العمل داخل سوريا كي يحصل تغيير، لا عودة عنه

ليس أفضل، أميركيا وإسرائيليا وإيرانيا وروسيا، من الاعتماد على نظام غير شرعي يؤمن بحلف الأقلّيات، شرط أن تكون هذه الأقلّيات تحت الجناح العلوي، للانتهاء من سوريا. لا يمكن اعتبار النظام غير شرعي فقط. إنّه أكثر من ذلك بكثير.

إنّه نظام يقبل من أجل أن يظل بشّار الأسد مقيما في دمشق كلّ أنواع الاحتلالات. الأميركيون ما زالوا شرق الفرات. الأتراك موجودون في الشمال السوري. والروس والإيرانيون في كلّ مكان، في حين تستطيع إسرائيل التي ضمت الجولان التدخل كلّما شعرت بضرورة لذلك. هل من نظام يناسب كلّ الأطراف المعنيين بالأزمة السورية، من محتلين ومتفرّجين على ما يدور، أكثر من هذا النظام، المرفوض من الأكثرية الساحقة لشعبه، والذي تحوّل إلى الحليف الحقيقي والطبيعي لـ”داعش”؟

طبيعي تمسّك جيمس جيفري ببقاء بشّار الأسد في دمشق. طبيعي أكثر أن يطلب المستحيل، أي أن تقوم حكومة جديدة تمارس سياسة مختلفة في ظلّ وجود الأسد. الواقع أن كلّ شيء يبدو مبررا، بما في ذلك طلب المستحيل من أجل بلوغ الهدف المتمثل في التخلّص من سوريا، في سياق التخلّص من النظام الإقليمي الذي قام بعد انهيار الدولة العثمانية، وهو نظام إقليمي انهار عمليا ونهائيا مع سقوط العراق عام 2003.

ما زالت المنطقة كلّها تعيش إلى اليوم تداعيات السقوط العراقي الكبير الذي وفّر انطلاقة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. هذا المشروع الذي أدّى بدوره المطلوب منه، أي المساهمة في تفكيك العراق وتفتيت سوريا وإغراق لبنان في أزمة سيكون صعبا عليه القيام منها في يوم من الأيّام!

omantoday

GMT 06:26 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

صوت «المشتركة» في ميزان إسرائيل الثالثة

GMT 06:21 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

إضراب المعلمين وسياسة تقطيع الوقت لمصلحة من ؟

GMT 06:18 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

خمسة دروس أردنية من الانتخابات التونسية

GMT 06:15 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

البعد الطائفي في استهداف المصافي السعودية

GMT 06:12 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

وادي السيليكون في صعدة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استراتيجية غياب الاستراتيجية استراتيجية غياب الاستراتيجية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab