بقلم : خيرالله خيرالله
ليس العمل عيبا. على العكس من ذلك، يشرّف العمل، أي نوع عمل، الإنسان بغض النظر عن طبيعة ما يمارسه من أجل الحصول على لقمة العيش بالحلال أوّلا. لكن الفارق كبير بين الكلام عن العمل وضرورة التخلّص من العمالة الأجنبية من جهة، ومواجهة الواقع من جهة أخرى. الفارق كبير بين البحث في الأسباب التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية التي غرق فيها لبنان وكيف معالجتها من جهة، والكلام الساذج الصادر عن زوجة رئيس الوزراء “الدكتورة” نوار المولوي دياب في أثناء تفقدها “سير العمل” في وزارة الإعلام اللبنانية.
قبل كلّ شيء، ليس معروفا لماذا تفقدت السيدة نوار وزارة الإعلام وبأي صفة قامت بذلك، هل يكفي أن يكون والدها رضوان مولوي إعلاميا ومسؤولا في مرحلة معيّنة عن الوكالة الوطنية للإعلام كي تجد مبررا لتفقد “سير العمل” في وزارة الإعلام والمديريات التابعة لها؟
من حقّ أي لبناني الكلام في الاقتصاد والسياسة والشؤون الوطنية، لكنّ اللافت أنّها المرّة الأولى في تاريخ البلد التي تتصرّف فيها زوجة رئيس الوزراء كمسؤول ذي موقع رسمي، وتدلي بآراء سياسية واقتصادية من منبر مؤسسة رسمية هي وزارة الإعلام.
المخيف أن “الدكتورة” نوار تقول كلاما خطيرا وساذجا في آن يعكس رغبة في إفقار لبنان أكثر مما أصبح فقيرا، والحدّ من طموحات الشاب اللبناني والشابة اللبنانية. لدى الشاب اللبناني طموح التطلع إلى أكثر من العمل في محطة وقود. ولدى الشابة اللبنانية رغبة في أن تعمل في مجال أفضل قليلا من تنظيف المنازل بدل ترك ذلك للخادمات الأجنبيات. أكثر من ذلك، تتحدّث زوجة رئيس الوزراء المقيمة في السراي الحكومي، لأسباب تتعلّق أوّلا برفض أهل السنّة لها ولزوجها، عن تطوير الزراعة والصناعة في لبنان. عن أيّ زراعة تتحدّث وعن أيّ صناعة في بلد مساحته صغيرة وسعر متر الأرض فيه مرتفع. يترافق ذلك مع كلفة اليد العاملة التي يمكن أن تحتاج إليها الزراعة والصناعة. إذا كان لبنان يريد بالفعل الاستفادة من الزراعة، فهو يستطيع اللجوء إلى نوع معيّن من الزراعات المميزة التي يمكن تصديرها إلى دول الخليج وأوروبا في مواسم معيّنة. أمّا بالنسبة إلى الصناعة، ففي استطاعة لبنان، بفضل أبنائه، إيجاد مكان له في مجال صناعة التكنولوجيا الحديثة. ليس سرّا أن إسرائيل تصدّر سنويا بما يقارب 13 مليار دولار بفضل الصناعة المرتبطة بالتكنولوجيا. في إمكان اللبنانيين إيجاد موقع لبلدهم في مجال تصدير التكنولوجيا في حال توفّر الأمن والأمان في لبنان وفي حال حيّد البلد نفسه عن أزمات المنطقة بدل خروج حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” بين حين وآخر وتأكيده بطريقة أو بأخرى أن لبنان ليس سوى تابع لإيران وورقة في يدها.
قد تكون لدى “الدكتورة” كلّ النيّات الحسنة، لكن معالجة الأزمة الاقتصادية عن طريق التخلّص من العمّال الأجانب في لبنان ليست حلّا. ما تتحدث عنه هو هروب من الحلّ وتهرّب من الإجابة عن سؤال في غاية البساطة؛ هو ما الذي حلّ بودائع اللبنانيين والعرب والأجانب في المصارف اللبنانية؟
ليس الموضوع موضوع السيدة مولوي دياب التي تبدو جائعة إلى السلطة أكثر من زوجها، خصوصا أنّها لا تعرف أنّ لا معنى لأن يكون حسّان دياب في موقع رئيس مجلس الوزراء في هذه الأيّام بالذات. لا تعرف أنّ حسّان دياب، المشكوك أصلا في امتلاكه لأيّ معرفة بالسياسة، لا يمكن أن يحقّق أي نجاح في ظلّ هيمنة “حزب الله” على الحكومة وتفادي الاعتراف بأن في أساس الأزمة المالية التي غرق فيها لبنان وجود “حزب الله” وسلاحه والدور الذي لعبه على صعيدي عزل لبنان عربيّا والتسبب بالعقوبات الأميركية على المصارف. مؤسف ألّا يكون في هذه الحكومة من يتجرّأ على الاعتراف بأن لا أمل أمام لبنان بوجود “حزب الله” وسلاحه الذي غطّى الفساد والفاسدين وملف الكهرباء والمعابر غير الشرعية. كلّ كلام آخر لا معنى له، بل مجرّد شعارات من النوع الذي أطلقته نوار مولوي دياب من وزارة الإعلام…
يعيش لبنان في وضع مزر في غياب قيادة سياسية تعي تماما ماذا يدور في المنطقة والعالم… وما هو صندوق النقد الدولي. هناك قيادة سياسية من إنتاج “حزب الله” الذي لا يهمّه مصير النظام المصرفي اللبناني. هناك رئيس للوزراء تنادي زوجته بتعميم الفقر. تغطي ذلك بالدعوة إلى العمل في مهن متواضعة. مرّة أخرى هذا ليس عيبا، ولكن هل هذا ما يطمح إليه الشاب اللبناني الذي يبيع والده أرضا من أجل ضمان تعليمه ووصوله إلى الجامعة؟
كانت زيارة “الدكتورة” دياب لوزارة الإعلام مفيدة من ناحية واحدة. كشفت أنّ “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله” لا تصلح للبنان. كلّ ما تستطيعه هذه الحكومة هو تهجير مزيد من اللبنانيين لا أكثر. تريد هذه الحكومة تحويل لبنان إلى بلد فقير جائع يلعب دور “الساحة” الإيرانية. بكلام أوضح، إن أي تغاض عن الدور الذي يلعبه “حزب الله” على كل صعيد، بما في ذلك منع أي مراقبة للحدود مع سوريا ورفض ترسيم هذه الحدود، هو بمثابة جريمة.
ما يحدث في لبنان ليس مستغربا. ليس مستغربا انهيار العملة الوطنية وتهريب الدولار إلى سوريا. المستغرب ألا يكون هناك في الحكم والحكومة من يدرك أن لا مستقبل للبنان في حال انهيار النظام المصرفي نهائيا. في غياب النظام المصرفي لن يوجد من يموّل أي قطاع إنتاجي، لا الزراعة ولا الصناعة ولا الفنادق ولا المطاعم ولا قطاع الخدمات. في غياب النظام المصرفي لن تكون هناك تجارة ولا شركات تجارية ولا استيراد لمواد أوّلية يحتاجها أي مصنع في لبنان، أو أيّ مشروع زراعي فيه.
بعض التواضع ضروري بين حين وآخر. التواضع يبدأ بالاعتراف أنّ نهـاية لبنان بـدأت فعليـا في اليوم الـذي صار فيه “حزب الله”، الذي انتصر على اللبنانيين في حرب صيف 2006، يقرّر من هو رئيس الجمهورية الماروني في السنة 2016… وصولا إلى تقرير من هو رئيس الوزراء السنّي. كلّ ما تبقّى تفاصيل وجـائعون إلى السلطة يرفضون أخذ العلم بأن كلّ شيء تغيّر في المنطقة، وأن السيدة دياب تصلح لدور ما في مسلسل “أبوملحم” التلفزيوني في ستينات القرن الماضي ولا إلى ما هو أكثر من ذلك…
ما حصل لم يكن هفوة بمقدار ما كان دليلا آخر على عجز حكومي لا يوازيه سوى العجز الرئاسي الذي يعكس عقما لبنانيا على كلّ المستويات، لا يمكن أن يبدأ الخروج منه إلا باستقالة الحكومة.