بقلم: خير الله خير الله
مع رحيل أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد لا يمكن القول إن صفحة طويت بل يمكن القول إن الاستمرار في نهجه سيتم عبر خطين متوازيين: الخط الأوّل الحلم والصبر في التعاطي مع المشهد الداخلي وتكريس مبادئ العفو والحريات منهجاً. أمّا الخط الثاني فيتمثل في الحزم في التعامل مع قضايا الإصلاح والفساد.
لا شك في أن الأمير الجديد (الذي نودي به من قبل الحكومة الكويتية وفق ما ينص عليه الدستور) الشيخ مشعل الأحمد هو الشخصية القادرة على جمع خطي هذا النهج لما عرف عنه تاريخياً من دقة في تطبيق القانون واختيار الرجل المناسب للإدارة والقيادة. كذلك، يعتبر الشيخ مشعل الشخصية التي رسمت في خطاب مشهور قبل عامين ملامح "العهد الجديد" الذي أعاد رسم خريطة المشهد السياسي في الكويت.
كان الراحل الشيخ نواف الأحمد أمير الزهد والتواضع. قريب من الجميع ومحباً للجميع. تدرج في مختلف مناصب الدولة من محافظ الى وزير دفاع الى وزير الشؤون الاجتماعيّة الى نائب رئيس الحرس الوطني فوزيراً للداخلية ثم ولياً للعهد. وشاء القدر عندما تولى مسند الامارة بفترة قصيرة أن أعياه المرض ما اضطره الى القيام بأكثر من رحلة علاج في الخارج وبالتالي تفويض أخيه ولي العهد مشعل الأحمد إدارة شؤون البلاد والعباد حتى توفاه الله في 16 كانون الأوّل (ديسمبر) 2023. وبموجب التفويض الأميري، تضاعفت مسؤوليات الشيخ مشعل الأحمد وبالتالي يمكن القول إن "عبوراً طبيعياً وتلقائياً" حصل من ولاية العهد الى الامارة. صحيح أن الدستور الكويتي ينص على ان ينادى بولي العهد اميراً بعد وفاة الأمير إلا أن الشيخ مشعل كان خلال أكثر من سنتين يمارس فعلياً في موقع الامارة بموجب التفويض. ففي الكويت دستور ومؤسسات وقوانين ناظمة لترتيب بيت الحكم. وقد حرص أبو الدستور الأمير الراحل عبد الله السالم خصوصاً في قانون توارث الامارة على تدوين التفاصيل التي تمنع أي شغور في المنصب. بما في ذلك حال حصلت وفاة أو إذا حال المرض دون ممارسة الصلاحيات بل حتى لو شغر منصب الأمير وولي العهد معاً بموجب الوفاة أو المرض المانع.
هذا ما يميز الكويت عن غيرها كونها فعلاً دولة مؤسسات وهي تعرضت لاختبار عام 2006 حين توفي الشيخ جابر الأحمد وكان يومها ولي العهد الشيخ سعد العبدالله مصاباً بمرض لا يؤهله للحكم فتم الاحتكام للدستور والقوانين وبايع مجلس الأمة المنتخب شعبياً رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد آنذاك اميراً. ما حصل الآن بعد اعلان وفاة الشيخ نواف الأحمد، أن اجتمع مجلس الوزراء الكويتي وأصدر بياناً نعى فيه الراحل ونادى بولي العهد الشيخ مشعل الأحمد اميراً للكويت وأعلن الحداد 40 يوماً واغلاق المؤسسات 3 أيام.
الكويت في عهد مشعل الأحمد ستواجه استحقاقات كثيرة أهمها داخلي يرتكز على إعادة تنظيم إدارة الدولة وهو هاجس فعلي لدى الشيخ مشعل الذي ترك بصمة في كل مرفق تسلمه خصوصاً في الحرس الوطني حين قال في أول تصريح له: "أتيت للإصلاح واللي مو قادر يقعد في بيته". نظّم كل القواعد في هذه المؤسسة، وعندما تولى ولاية العهد أحدث ثورة حقيقية في الإدارة إذ ألغى كل استثناءات التمديد للقياديين والمسؤولين بدرجة وزير. وآخر قراراته قبل وفاة الشيخ نواف كان توقيف التعيينات والنقل والانتداب للقياديين تصحيحاً منه لبعض القرارات التي اتخذتها حكومة الشيخ احمد النواف. اما الاستحقاقات الخارجية فلا يخفى أن الشيخ مشعل الأحمد دفع ويدفع في اتجاه تكامل مواقف الكويت مع مواقف دول الخليج خصوصاً المملكة العربية السعودية، ايماناً منه بأن التكامل داخل البيت الواحد يحصن الكويت خارجياً سواء تعلق الامر بالتحديات والاستحقاقات بالنسبة الى ترسيم الحدود البرية والبحرية مع العراق او الحدود المائية مع ايران.
يترقب الكويتيون بالطبع موضوع ولاية العهد الجديدة ويتحدثون بالأسماء في دواوينهم، انما الدستور الكويتي يعطي الأمير الجديد مدة سنة لاختيار ولي العهد، وهو حق له. زيذكر ان الدستور الكويتي ينص على اختيار ولي للعهد ليبايعه مجلس الامة فإن رفض بغالبيته يتقدم الأمير بثلاثة أسماء يختار منهم المجلس واحداً. لكن سوابق حصلت في الكويت منها تعيين الشيخ سعد العبد الله ولياً للعهد في ظل برلمان كان منحلاً.
الكويت تعبر مع مشعل الأحمد عهداً جديداً داخلياً وخارجياً. عهد استقرار تتطلبه عملية التنمية التي تعثرت لسنوات، وعهد اصلاح ومحاربة الفساد، وعهد التكامل الخليجي لمواجهة التحديات الخارجية. ودائماً ما تثبت الكويت انها قادرة على كسب الرهان والتطور في اصعب الظروف...