ليس بالكلام الجميل يُحافظ على تونس…

ليس بالكلام الجميل يُحافظ على تونس…

ليس بالكلام الجميل يُحافظ على تونس…

 عمان اليوم -

ليس بالكلام الجميل يُحافظ على تونس…

خيرالله خيرالله

ما تعرضت له تونس أخيرا لا يواجه بالتمنيات، وإنما بالأفعال والإجراءات الحازمة. يفترض أن يسبق ذلك تحديد الأسباب التي أدت إلى الفشل في الحد من الإرهاب.

ليس بالكلام الجميل عن المحافظة على الديمقراطية والحرص على السياحة والاقتصاد، الصادر عن الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة “النهضة”، يمكن القضاء على الإرهاب في تونس. ليس بمثل هذا الكلام يمكن المحافظة على تونس.

ما تعرّضت له تونس أخيرا لا يواجه بالتمنيات، وإنّما بالأفعال والإجراءات الحازمة. يُفترض أن يسبق ذلك، بالطبع، تحديد الأسباب التي أدّتْ، وما زالت تؤدي، إلى الفشل في الحدّ من الإرهاب الذي ضرب في سوسة واستهدف سيّاحا أجانب.

ليس سرّا أن تونس تعتمد في اقتصادها على ثلاثة قطاعات هي الصناعات التحويلية والسياحة والزراعة. ضرب السياحة هو ضرب لإحدى ركائز الاقتصاد. الهدف الواضح يتمثّل في تدمير الاقتصاد، أي نشر البؤس في أوساط المجتمع التونسي الذي يبدو مطلوبا إفقاره. من هذا المنطلق، يبدو حريّا بالغنوشي، وغيره من الشخصيات التونسية، اتخاذ مواقف شجاعة تنمّ عن رغبة في مواجهة الواقع، وليس الهرب منه عن طريق رفع الشعارات الطنانة التي تصبّ في نهاية المطاف في خدمة الإرهاب والإرهابيين وما يصبو إليه هؤلاء.
    
    

تعني الشجاعة، أوّل ما تعني، أن “ثورة الياسمين” التي أنهت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، تحتاج إلى وقفة أمام المرآة والاعتراف بأنّ أخطاء كبيرة ارتكبت. في مقدّمة هذه الأخطاء، حتى لا نقول الجرائم، السماح باستيلاء المتشددين على المساجد، فضلا عن السماح لهم بنشر أفكارهم في أوساط الشباب التونسي الذي يعاني من مشكلة البطالة المستشرية في كلّ المناطق التونسية. لم يعد سرّا أن التونسيين يشكلون أكبر نسبة من المقاتلين الأجانب في “داعش”، أكان ذلك في سوريا أو في العراق. لم يعد شيء يمنع من انتشار “داعش” وأخواته كالنار في الهشيم في شمال أفريقيا، ما دام هناك تهاون تونسي مع المساجد التي ترّوج للتطرّف والتخلّف بكلّ أشكالهما… وما دام الوضع في ليبيا على حاله. وما دام هناك رفض جزائري لتعاون إقليمي حقيقي في مواجهة الإرهاب والتطرّف.

المؤسف أن السلطات التونسية لم تفعل شيئا منذ الإطاحة ببن علي كي تضع حدّا لموجة التطرّف التي تجتاح البلد. شجّعت حركة “النهضة”، التي هيمنت على الحكومات التي تشكّلت في مرحلة ما بعد انتصار الثورة، على نشر التطرّف.

لم تُقْدم هذه الحكومات على أي خطوة من شأنها المساهمة في الحرب على الإرهاب. كان همّها محصورا في كيفية اختراق الإدارة التونسية على كلّ المستويات من جهة، وتغيير طبيعة المجتمع التونسي للانتقام من كلّ ما هو حضاريّ فيه من جهة أخرى.

كان شبق “النهضة” إلى السلطة من النوع الذي لا حدود له. هذا ليس مستغربا، نظرا إلى أن الحركة جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين الذي لا هدف له سوى الاستيلاء على السلطة في البلدان العربية، بغض النظر عن الكلفة التي يتكبّدها الشعب. تقدّم “حماس” في قطاع غزّة أفضل دليل على ذلك.

في أحضان “النهضة” ترعرع الإرهاب وترعرع “داعش” الذي بات قادرا على التحرّك بحرية في تونس وليبيا. لم تدعم “النهضة” الحكومة الحالية برئاسة السيد الحبيب الصيد في مجال مكافحة الإرهاب والتطرّف. لم تفعل هذه الحكومة شيئا في مجال العثور على قتلة شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحاكمتهم. على العكس من ذلك، عملت كلّ ما تستطيع من أجل منع الحكومة الحالية ومنع الرئيس الباجي قائد السبسي من اتخاذ تدابير جذرية تؤدي إلى الدخول في حرب حقيقية على الإرهاب الذي يهدّد كلّ تونسي، بل مستقبل البلد نفسه. هذا لا يعني أن الحكومة لم تكن مقصّرة، خصوصا أنّها لم تتحمّل مسؤولياتها كاملة بأيّ شكل.

من المفارقات، لجوء الحكومة إلى إغلاق ثمانين مسجدا بعد مجزرة سوسة. لماذا لم تقدم على ذلك بعد مجزرة متحف باردو قبل ثلاثة أشهر ونصف شهر؟ ما الذي فعلته الحكومة التي تشارك فيها “النهضة” من أجل منع تكرار مجزرة متحف باردو الواقع في العاصمة… في مدينة سوسة السياحية التي يقصدها الأوروبيون؟

بعيدا عن المزايدات، آن أوان مواجهة الحقيقة في تونس. آن أوان الاعتراف بفضل الحبيب بورقيبة على تونس والتونسيين. إذا كانت تونس لا تزال قادرة على الصمود في وجه التطرّف وما تنشره المساجد غير المرخّص لها والمدارس التي تعلّم الصغار على العنف ورفض الآخر، فإنّ الفضل في ذلك يعود إلى ما زرعه بورقيبة في تونس، بما في ذلك حقوق المرأة التونسية. المرأة التونسية وقفت في طليعة المتصدّين للإرهاب والتطرّف. كانت وراء هزيمة “النهضة” في الانتخابات التشريعية وهزيمة المنصف المرزوقي، الذي يتلطّى بها، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

إضافة إلى ذلك، وفي ضوء التدهور الذي تشهده تونس على كلّ المستويات، خصوصا على مستوى مؤسسات الدولة، لا يمكن تجاهل إيجابيات عهد زين العابدين بن علي. لم يكن عهد بن علي سلبيات فقط. حافظ الرجل على مؤسسات الدولة، خصوصا المؤسسة الأمنية وعلى الإدارات الحكومية. صحيح أنّ الفساد والسلطة الفردية شابا عهده، لكنّ الصحيح أيضا أنّه حافظ على تونس، وعمل على تطوير الاقتصاد ودعم الطبقة الوسطى.

لا حلّ أمام تونس سوى في التخلّص من عقد الماضي، بما في ذلك عقدة بن علي. من دون إجراءات جذرية، لا تساير “النهضة”، في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، لا أمل بالمستقبل في تونس. فالوضع في البلد مقبل على مزيد من التدهور في ظلّ الأوضاع الإقليمية السيئة، خصوصا في ليبيا. لم يعد سرّا أن تونسيين يتدربون في ليبيا وينطلقون منها لتنفيذ عمليات إرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، بما في ذلك تونس نفسها. والوضع في ليبيا لن يتحسّن، في أي شكل، في غياب التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب. وغياب التعاون ناجم في جانب منه عن الرغبة الجزائرية في الاستفادة من الإرهاب ما دام خارج أراضي الجزائر. في الجزائر نفسها، هناك اجتثاث للإرهاب وفي محيط الجزائر، بما في ذلك تونس وليبيا، يصبح الإرهاب ورقة سياسية تستخدم في لعبة تأكيد الدور الإقليمي لبلد لا يزال يعيش في أوهام الماضي.

تونس إلى أين؟ مثلما استطاع التونسيون الانتصار على “النهضة” عبر صناديق الاقتراع، عليهم في المرحلة الراهنة الانتصار عليها في مجالين. الأوّل الحرب على الإرهاب، والآخر منع الحركة من نشر البؤس في البلد عن طريق ضرب الاقتصاد، خصوصا السياحة، تمهيدا للعودة إلى السلطة من باب آخر. فالأفكار التي تنشرها “النهضة” تبرّر العداء للسائح الأجنبي في تونس.

تقف تونس عند مفترق. يكفي، للتأكّد من ذلك، التقصير الذي حصل قبل مجزرة متحف باردو وخلالها وبعدها. ألم يكن من مجال لمنع المجزرة؟ لماذا تأخر إغلاق المساجد غير الشرعية ثلاثة أشهر ونصف الشهر؟ ما الذي حال دون ذلك؟ ما الذي منع الحكومة من التصرّف بالطريقة الواجب أن تتصرّف بها منذ أشهر طويلة، إن في ما يتعلّق بالمساجد غير الشرعية، أو أمور أخرى لا تقلّ عنها أهمية مثل منع الخطاب الديني المتطرف الذي يحضّ على رفض الآخر؟

omantoday

GMT 13:53 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 13:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 13:51 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 13:50 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 13:49 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 13:48 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 13:47 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 13:46 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس بالكلام الجميل يُحافظ على تونس… ليس بالكلام الجميل يُحافظ على تونس…



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab