«الشيطان الأكبر» الروسي

«الشيطان الأكبر» الروسي

«الشيطان الأكبر» الروسي

 عمان اليوم -

«الشيطان الأكبر» الروسي

غسان شربل

الذهاب إلى الحرب أسهل بكثير من العودة منها. هكذا يقول التاريخ. ومن عادته ألا يكذب. تحتاج الطلقة الأولى إلى شجاعة أو تهور. تحتاج الطلقة الأخيرة إلى واقعية تساعد على تجرع الخيبات ومرارات التسويات. وفي الحروب التي يمكن أن ترتدي ولو زوراً نكهة دينية أو مذهبية تتقدم الخسائر على الأرباح حتى لدى المنتصر. ففي هذا النوع من الحروب لا مكان لضربة قاضية أو أخيرة.

على الذين يستعدون للاحتفال بتورط الجيش الروسي في أفغانستان جديدة أو فيتنام عربية أن يتمهلوا قليلاً. المسرح مختلف بتركيبته وموقعه فضلاً عن تغير المشهد الدولي. ثم أننا لا نزال في بدايات هذا التدخل. ومن المبكر الخروج باستنتاجات من هذا النوع. وإذا كان يمكن وصف فلاديمير بوتين بالمغامر لتدخله عسكرياً في نزاع بهذا التعقيد فإن من التسرع اعتباره حتى الآن مقامراً ألقى ببلاده في حرب بلا حدود. لا بد من الانتظار فهو أفضل مستشار.

على الذين يستعدون للاحتفال بقلب المعادلة في سورية وطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الرهيب أن يتمهلوا قليلاً. لا يعلن النصر في مطلع الحرب وقبل اتضاح مجرياتها وخواتيمها. الوضع السوري شديد التعقيد ولا يسمح بانتصارات مدوية. ويصعب الاعتقاد أن بوتين يخطط لإعادة الوضع السوري إلى ما كان عليه قبل أربعة أعوام لأن ذلك متعذر. ويصعب تصور أنه يخطط لطحن المعارضة السورية بمجملها ولو كلفه ذلك انهيار علاقات بلاده بالعالم السني. ثم أن معركة بهذا الحجم تلقي على روسيا مسؤولية إعادة إعمار ما دمرته الحرب ولا شيء يوحي بأن اقتصادها قادر على النهوض بمثل هذه الأعباء. هنا أيضاً الانتظار أفضل مستشار.

على الذين يعتقدون أننا في الطريق إلى أزمة تشبه أزمة الصواريخ الكوبية أن يتمهلوا قليلاً. سورية ليست قبالة السواحل الأميركية. إنها بعيدة. ولم تكن أصلاً في المعسكر الأميركي. ثم أن هذه المقتلة الواسعة تدور على أرض بلد تبدو حكومته مرشحة حالياً للعيش تحت قبعتين روسية وإيرانية أو الوقوع تحت انتدابين. سورية ليست كوبا. وبوتين ليس خروتشوف. وأوباما ليس جون كينيدي. تحمل الأزمات ملامح مكانها وزمانها على رغم عبر الماضي أو مراراته.

لا بد من الانتظار لمعرفة أهداف التدخل العسكري الروسي وحدوده. هل جاء الجيش الروسي لمحاربة «داعش» أم لقصم ظهر المعارضة السورية؟ هل جاء لضمان حدود «سورية المفيدة» وإجراء تعديلات طفيفة عليها أم لدفع المنطقة غير المفيدة نحو المزيد من التشرذم والانهيار والأفغنة والصوملة؟ هل جاء للمرابطة في مناطق النظام لحجز مقعد في الحل حين تنضج ظروفه أم أنه دخل الحرب وفي جيبه حل سيقدمه؟ هل يراهن على إعادة إنتاج النظام نفسه مع عمليات تجميل محدودة أم أنه يخطط للحصول من النظام الذي أنقذه وطمأن قاعدته الصلبة على تنازلات جدية تسمح بعملية سياسية يمكن تسويقها عربياً ودولياً؟

أسئلة أخرى لا بد منها. هل سيدفع النظام ثمن المظلة الروسية تنازلات تفتح باب الحل أم سيستنتج عكس ذلك؟ وهل تقبل إيران حلاً تحت قبعة الجنرال الروسي بعدما كانت تراهن على انتصار النظام تحت قبعة الجنرال سليماني؟ ليس هناك حل في سورية يمكن أن يعطي إيران ما كانت تتمتع به قبل اندلاع الأحداث. وليس هناك حل يوفر لـ»حزب الله» ما كان متوافراً له عشية الأحداث.

بكلام أوضح. الحل القابل للعيش لا بد أن يتضمن شراكة فعلية بين المكونات. هذه المشاركة تدخل بالتأكيد تعديلاً في سياسات سورية الداخلية وفي علاقاتها العربية والإسلامية والدولية. تستطيع موسكو التعايش مع حل من هذا النوع لكن السؤال هو عن طهران. ثم إذا كان الحل في سورية يقوم بالضرورة على تعديلات في الشراكة فان حلفاء إيران في بغداد سيجدون أنفسهم مطالبين بجعل مشاركة السنة في السلطة فعلية وحقيقية على رغم اختلاف النسب السكانية بين البلدين. لا انتصار على «داعش» من دون معالجة قلق السنة في «الهلال».

وجه التدخل العسكري الروسي في سورية صفعة جديدة إلى صورة أميركا وصدقيتها. تردد أوباما متعب لحلفاء بلاده وأصدقائها. لكن بوتين لا يملك ترف إخفاء نواياه طويلاً. يقدم خلال أسابيع مشروعاً مقنعاً للحل أو ينزلق إلى حرب يصعب حسمها أو الخروج منها. طريقة دعم الكنيسة الروسية لحربه لم تكن حصيفة. أي دخول له في مواجهة طويلة مع مشاعر العالم السني ستجعل بلاده تفوز بلقب «الشيطان الأكبر». لتفادي اللقب يحتاج إلى تنازلات جدية من النظام الذي جاء لإنقاذه. لغرقه في حرب طويلة على أرض سورية أثمان على أرض روسيا نفسها وفي الحزام الإسلامي على حدودها.

التاريخ شيخ وقور علمته الأيام. على من يرتكب الطلقة الأولى أن يمتلك تصوراً فعلياً لتقريب موعد الطلقة الأخيرة. اندفع القيصر في مجازفة كبرى. يخرج بكأس صانع الحل أو يرجع بلقب «الشيطان الأكبر».

omantoday

GMT 10:48 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 10:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 10:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 10:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 10:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 10:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 10:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الشيطان الأكبر» الروسي «الشيطان الأكبر» الروسي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab