ترمب الرّواية والإعصار

ترمب... الرّواية والإعصار

ترمب... الرّواية والإعصار

 عمان اليوم -

ترمب الرّواية والإعصار

بقلم:غسان شربل

حجزُ مقعدِ الصدارةِ في البيت الأبيض شيءٌ، وحجزُ مقعدٍ بارزٍ في التاريخ شيءٌ آخر. والتاريخُ ممحاة لا يعاندُها إلا من يتركُ بصماتٍ يتعذَّر إزالتُها. لحجزِ موقع في التاريخ، لا بدَّ للرئيس الأميركي أن يكتبَ روايتَه لتصبحَ بنداً ثابتاً في رواية بلاده. وأن يكونَ في الرواية البطل والضحية معاً. ومواصفات الرجلِ الصارخ معروفة. أن يكونَ زعيماً لا مجردَ رئيسٍ تهرم جاذبيتُه إذا خسر القصر والأختام.

ولبطولة هذه الروايات شروط. أن يكونَ لك أنصارٌ لا يهتزُّ إيمانُهم بك مهما اشتدَّ سيلُ الاتهامات التي تُكال لك. وأن يكونَ لك أعداء تقضُّ مضاجعهم ولا يتوقَّفون عن النَّفخ في جمر كراهياتهم. وأن يعتبرَك أنصارُك ضحيةً إذا استدعتكَ المحاكمُ وفتَّش القضاةُ في أوراقك وأيامك. وإذا انهالت عليك وسائلُ إعلام كبرى بمطارقِها وطالبت بحملة تلقيحٍ لحماية البلاد والعباد من وبائك. وإذا تبارى الكُتّاب في تشريح أخطائك وهي ليست بسيطةً، وخطاياك وهي ليست قليلة.

ولكي تكتمل شروط الرواية، لا بد وأن تظهرَ كأنَّك منعطفٌ في رسم مصائر شعوب ودول وأحلاف. وأنَّك قادرٌ على إطلاق العواصف وصدّ العواصف. وأنَّك ملاكمٌ لا يغريه التقاعدُ أو الانسحاب ويفضل السقوطَ على الحلبة على لقب الرئيس السابق أو المرشح الخائب. وأن تكونَ لديك موهبةُ سرقةِ الأضواء وفرض المانشيتات حتى على الصحف التي تحلم بالتمثيل بجثتك. وأن تكونَ لديك موهبة مَن يطمئن ومَن يقلق. وأن يكتنفَ الغموضُ خياراتك. وأن تفاجئَ وتدهشَ وتقلقَ دولةً أو قارة أو سكان القرية الكونية بكاملهم. وأن تحوّلَ نقاط ضعفك نقاطَ قوة. وأن تحوّل فخاً نُصبَ لك فرصة للإيقاع بأعدائك. وألا يعرف أحدٌ بالتأكيد ما في قرارة نفسِك وحدودِ موداتك وكراهياتك.

ليس بسيطاً أن تقلقَ قارة هرمة اسمُها أوروبا. وأن تنغصَ أيام إمبراطور الصين. وألا يتأكد «الرفيق» المتربع على عرش الكرملين من حدود هداياك. وأن ينقضَّ القلقُ على زيلينسكي. وأن تُقلّبَ إيران الأمرَ وتتساءل ما إذا كان عليها أن تتجرَّعَ كأسَ التعامل أو التصادم مع الرجل الذي أمر بقتل الجنرال قاسم سليماني الذي هزَّ معادلات وغيّر ملامحَ خرائط.

ترمب روايةٌ مثيرة. عازفٌ ماهر على مشاعر أنصاره. لاعبٌ متمرّس في إرباك خصومه. صانع ألعاب ومخزنُ مفاجآت. رجلُ أعمال يتكئ على سرّ «الصفقة» لتقديم نفسه علاجاً لأميركا التي يقول إنَّه يملك ترياقَ وقف انحدارها وترميم عظمتها. ليس جنرالاً قادَ الجيوش عند منعطف هائل. وليس خبيراً متمرساً في الشؤون الدولية وموازين القوى. يملك عباراتٍ قصيرة تحكّ جروحَ قسم من الجمهور الأميركي. ولا تكتمل القصة إلا إذا تكرَّس صاحبُها في صورة الضحية. وأنَّ المؤامرات تتكاثر وتتكالبُ لمنع «المنقذ» من إنجاز مهمته.

قبل أسابيع تلقَّى ترمب هديةً ثمينة. خانتِ الثمانيناتُ جو بايدن الذي يتمسَّك بتمديد إقامته في البيت الأبيض. لا شيء أقسَى من ثقوب الذاكرة على الشاشات. وأمام المشاهدين والنقاد المتعطشين إلى دم الضحايا. ارتبك الحزب «الديمقراطي». هل يمكن صدُّ إعصار ترمب برجل يخلط بين زيلينسكي وبوتين؟ يعاند بايدن. يريد دخولَ التاريخ بوصفه الرَّجلَ الذي أنقذ أميركا من عودة «خطر داهم» اسمه دونالد ترمب. يريد إنقاذَ العالم من العقاقير الشعبوية، والسياسات المزاجية، ومن الرئيس الذي يراهن على التغريدات أكثرَ ممَّا يراهن على السياسات المدروسة والأساطيل. من الرئيس الذي لا يتردَّد في كسرِ الأعراف وهيبة القواميس، ولا في قلب الطاولة.

بايدن سيئ الحظ. لو أرجأتِ الذاكرة خياناتها إلى ما بعد الانتخابات لما فاحت الخيانات داخل حزبه وبين أصدقائه. من ثقوب الذاكرة هبَّت عليه العواصف والنصائح. ما أقسى أن تطالبَ حصاناً مسناً وعنيداً بالخروج من السباق. وكأنَّما لا تكفيه مصيبةٌ واحدة ليقع في أخرى أكبرَ وأشد.

هذا عالم الصور. الصورُ أسرع من الصواريخ وأشدُّ هولاً. الصور تهاجمُ البيوت والذاكرة وتقيم. كيف يمكن مقاومةُ صورة ترمب رافعاً قبضتَه وخيط الدم حاضر على خده؟! شابٌّ «يكره الجمهوريين وترمب» أعطاه المنصَّةَ الكبرى والفرصةَ الذهبيةَ لارتداء ثوبِ الضحية. ويعرف بايدن أنَّ معظمَ الذين سارعوا إلى إدانة محاولة الاغتيال كانوا يتمنّون سقوطَ الرجل الذي يستنكرون الآن محاولة شطبه برصاصة.

العنف ليس زائراً غريباً في أميركا. والاغتيال كانَ حاضراً منذ البدايات. من أصلِ خمسةٍ وأربعين رئيساً اغتيل أربعة. وقطف الموتُ الطبيعي أربعةً آخرين خلال إقامتهم في البيت الأبيض. وتعرَّض آخرون لمحاولات اغتيال وأحبطت خطط ضد آخرين قبل وصولها إلى المسرح. ولا مبالغة في القول أنَّ عالمَ اليوم يغذّي الميلَ إلى الاغتيال بالشائعات والصور المفبركة وبأنهار الكراهيات التي تتدفَّق عبر منصاتِ التواصل الاجتماعي في غياب القوانين والسدودِ والقيود. يسبح عالمُ اليوم في الكراهيات. أتاحت وسائلُ التواصل فرصاً لا حدود لها للتعبير عن المظالم، لكنَّها أعطت أيضاً منصةً هائلة لرياح الكراهية والثأر والعصبيات وتشويه الصورة والحقائق.

تذهب أميركا إلى الانتخابات فيذهب العالمُ معها. لا أميركا تستطيع الاستقالةَ من العالم ولا هو يستطيع. مصير إمبراطورية الاقتصادِ والأساطيلِ والتكنولوجيا والجامعات يعني مستقبلَ القريةِ الكونية المبللة بالخوف والفقر والظلم وشهيَّات الذئاب المجروحة. سرق الرئيسُ السابق الأضواءَ من تسديدات نجومِ كرة القدم. نتائج «الدوري» الأميركي هي الأهمُّ والأخطر. فصلٌ جديدٌ في رواية مثيرة عن إعصار اسمُه ترمب.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب الرّواية والإعصار ترمب الرّواية والإعصار



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab