أنصحك بالسم

أنصحك بالسم

أنصحك بالسم

 عمان اليوم -

أنصحك بالسم

غسان شربل

لا تصدّق مستشاريك. لا تخدعنّك مباخِرُهم. وقدرتهم على نسج الشعارات والحكايات. يريدونك أن تتسلّق ليتسلّقوا معك. يقامرون بصورتك ورصيدك. نَصَحوا غيرَكَ وأدموه. وغداً حين تخسر يغسلون أيديهم. يقولون أنك كنت متسرِّعاً ونزِقاً ومتهوِّراً.

لا تصدّق مستشاريك. رأفة بصورتك وبأنصارك وهم ليسوا قلائل. أوقف اللعبة الرهيبة: إما القصر وإما القبر. لا يجوز للزعيم الحقيقي دفع أنصاره إلى القبر، إذا تعذّر عليهم دفعه إلى القصر.

أعرفُك لا تحب السمّ. لا أحد يحبه أصلاً. وأنك ترفض مجرد الحديث عنه. ولا تتخيّل كأسه تقترب من شفتيك. وتعتقد بأن السمّ يليق فقط بكارهيك ومعارضيك... وأن عليهم أن يشربوه حتى الثمالة والامحاء.

أعرف أنك تفضّل الضربات القاضية، والانتصارات الكاملة، وأنك لا تتخيّل خصمك إلّا متهالكاً. يتقدّم نحوك ذليلاً ليوقّع صك استسلامه. ليقرّ بموته بعدما فَرَغتَ من قتله.

أعرف أنك تكره السمّ. لكننا أبناء الشرق الأوسط الرهيب. عرب وفرس وأتراك وأكراد. سنّة وشيعة وعلويون ودروز ومسيحيون وآخرون. دول هشّة، وشعوب مفخّخة، وخرائط ملتبسة، وتاريخ يدسُّ السمّ في الحاضر ليقتاد المستقبل إلى سجن التاريخ.

لا تسمح هذه المنطقة الموتورة بالضربات الماحقة. جَرَّبَ أسلافُك وأسلاف أعدائك. عادوا من مغامراتهم المجنونة بأجيال من الجثث، وأنهار من الحقد القاتم. لا تحلم بالانتصار الفاحش، ولا بشطب غريمك من الخريطة، لا تدفعه إلى الجدار. يُدميك حين لا تترك له غير خيار النحر والانتحار.

أعرف أن منطق التسوية ليس مثيراً، وأن لغة منتصف الطريق ليست من قاموسنا، وأن الرقص مع الآخر ليس من عاداتنا. لكنها الوقائع وموازين القوى، لهذا أنصحك ببعض السمّ. بعدم الإصرار على الرقص وحيداً فوق بحيرات الدم.

أعرفُ أن قبولك بوجود معارضيك له طعم السمّ في حلقك، وأن رؤيتهم شركاء في السلطة والقرار تُفسِد هناءة عيشك، وتجرح صورتك كحاكم مطلق. وأن القبول بالآخر بالمختلف يمسّ بتقديسك للصوت الواحد والزي الموحّد. وأعرف أنك تعتبر المعارض خائناً، وجاسوساً، وأنه لا يستحق إلّا القتل.

أعرف كل ذلك، وعلى رغم ذلك أنصحك ببعض السمّ كي لا تضطر إلى تجرُّعه كاملاً. كي لا تشربُه قاتلاً وتسقيه لبلادك. قطرة السمّ تعفيك من الكأس، وبعض الكأس يعفيك من الوليمة الأخيرة.

لا خروج من الدوّامات الدموية إلّا بتجرُّع بعض السمّ. ألم يكن أجدى لـ «الإخوان» في مصر تجرُّع وجود الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتمعُّن في ما حدث واستخلاص العبر، والانحناء للعاصفة ثم العودة إلى العمل السياسي من دون ادعاء امتلاك الحقيقة الكاملة؟ أوليس الأفضل للنظام تجرُّع بعض السم والقيام بجهد أكبر لفرز الإرهابيين عن المعارضين؟ لم يفُت أوان تجرُّع بعض السم لمنع مصر من تجرُّعه كاملاً.

ألم يكن أفضل لسورية لو تجرَّع النظام بعض السمّ في بدايات الاحتجاجات الشعبية؟ وتجرُّع بعض السمّ يعني فتح الأبواب وإشراك معارضين والتنازل لهم عن بعض المواقع والسياسات؟ ألم يكن أفضل للمعارضة المعتدلة لو وافقت باكراً على تجرُّع بعض السمّ كي لا تُرغَم على تجرُّع سموم النظام، ومعها سموم «داعش» و «النصرة». رفضَ المتخاصمون تجرُّع بعض السمّ فشربته سورية كاملاً وقاتلاً.

ألم يكن من الأفضل لو تجرَّع الثوار المتحاربون في ليبيا بعض السم، بدل تحويل ليبيا إلى مصدر للخطر على نفسها وجيرانها؟

ألم يكن من الأفضل لو تجرَّع المالكي سمّ رؤيته العرب السنّة شريكاً كاملاً في عهد ما بعد صدام حسين، بدلاً من أن يتجرّع العراق سموم «داعش» ودولته ودويلاته؟

ألم يكن من الأفضل لو قَبِلَ علي عبدالله صالح بتجرُّع بعض السمّ بفعل إقامته خارج القصر، بدل اعتماده خيار المجروح الراغب في الثأر ومواكبة الحوثيين في المغامرة التي جرّعت اليمن أمواجاً من السموم؟

لا بد من تجرُّع السمّ لإنقاذ ما تبقى من الخرائط والأطفال والبيوت. وما يصدُق داخل الدول يصدُق على مستوى الإقليم. لا ترقص وحيداً. ولا تدفع شركاءك ومنافسيك إلى خارج الحلبة. تجرَّع بعض السمّ وتواضَعْ. بعض السمّ يعفيك من تناوله كاملاً.

لا تقل أن السمّ مرفوض بالمطلق والحل هو الانتصار القاطع. لستَ أشدَّ بأساً من الخميني ولستَ أكثر عناداً. كان يحلم باقتلاع صدام حسين ونظامه لكن الرياح عاكسته. تجرَّع السمّ ووافق على وقف إطلاق النار. وبقية القصة معروفة.

omantoday

GMT 05:48 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

المُنقضي والمُرتجَى

GMT 05:46 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

«طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»: إغلاق النقاش وفتحه...

GMT 05:44 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

عام ليس ككل الأعوام

GMT 05:42 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 05:38 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

البحث عن المشروع العربي!

GMT 05:36 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

2025... العالم بين التوقعات والتنبؤات

GMT 05:30 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النقاش مستمر

GMT 05:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا نملك إلا الأمل في عام 2025

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنصحك بالسم أنصحك بالسم



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى
 عمان اليوم - إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم
 عمان اليوم - أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
 عمان اليوم - اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
 عمان اليوم - كريم عبد العزيز يتحدث عن الرقم واحد وهذا ما قاله عن هنا الزاهد

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

طرق فعالة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab