«المجتمع المدني» يهزم «الإخوان» في تونس

«المجتمع المدني» يهزم «الإخوان» في تونس..

«المجتمع المدني» يهزم «الإخوان» في تونس..

 عمان اليوم -

«المجتمع المدني» يهزم «الإخوان» في تونس

طلال سلمان

هل انتصر «العهد البائد» على «الثورة» في تونس، وامتصت عتمة الليل صرخات محمد البوعزيزي قبل أن يشعل النار في جسده يأساً من حياة في قلب اليأس؟!
أم أن «الإسلام السياسي»، ممثلاً بالإخوان المسلمين وقائدهم المهجن راشد الغنوشي، قد سقط بالضربة البورقيبية القاضية ممثلة بالعلمانية كخطوة في اتجاه الغد، وليس كردة كما وصمها «الدعاة» و «شيوخ التخلف»، ودعوة إلى الخروج من الإسلام وعليه؟
وهل تمثل هذه الانتفاضة التونسية التي فتحت صفحة جديدة في التاريخ العربي الحديث قبل أربعة أعوام بالتمام، خطوة على طريق الدخول إلى العصر بالديموقراطية من خلال «عجوز» خدم العهود جميعاً: فكان وزيراً شبه دائم في حكومات الحبيب بورقيبة، والوزير الأول مع رجل الانقلاب على سيده وولي نعمته زين العابدين بن علي، قبل أن يقع عليه إجماع «الثوار» بتشكيلاتهم الإسلامية والمدنية واليسارية ليكون رجل «المرحلة الانتقالية» من الثورة إلى «النظام الجديد» الذي اكتسب مع الانتخابات الرئاسية، يوم أمس الأول، صورته الكاملة؟
هل سقط حكم العسكر تماماً، معيداً بسقوطه الاعتبار إلى الطبقة السياسية التي رُميت بتهم فظيعة، منها الفساد وإفساد المجتمع، ومنها النهب المنظم لخيرات البلاد، ومنها الخضوع والتبعية لهيمنة «الخارج»، سواء أكان أميركياً أم فرنسياً مع تنازلات قاسية عن «القضية المقدسة» فلسطين بتاريخها النضالي الطويل؟!
وهل ينطبق مثال تونس على مصر التي ظل أهلها لثلاث سنوات في «الميدان»، ثم وجدوا أنفسهم أمام خيار بائس في الانتخابات الرئاسية: «إخواني» عامل ولو أنه «نكرة»، أو ضابط سابق بسجل لماضيه لا يطمئن إلى المستقبل، وبينهما مناضل عريق لا يملك الحاضنة الشعبية المنظمة وإن كان ذا حضور مميز في «الشارع»؟..
كانت النتيجة كارثية: اختطف الإخوان المسلمون الرئاسة تمهيداً لاختطاف «الدولة» جميعاً... وكان على مصر أن تعيش عاماً إضافياً من العذاب مع العنت الإخواني، خصوصاً وأن الوافد إلى الرئاسة قد وصل مثقلاً بالتعهدات والوعود المجانية بالشراكة التي تحفظ حق الجميع في نعيم السلطة!
ومعروف أن «الإخوان» قد انتظروا طويلاً هذه اللحظة القدرية. فالحزب أو «الجماعة» قد تمّ تأسيسها مع نهاية العشرينيات من القرن الماضي، ولبثت في الظل زمناً، حيث أفاد منها العهد الملكي أحياناً، كما أفاد منها خصوم ذلك العهد، وبالذات حزب الوفد في أحيان أخرى.
ومع تفجّر مصر الملكية بالثورة في 23 تموز (يوليو) 1952، حاول «الإخوان» الاندساس في صفوفها قبل أن يسعوا إلى اختطافها، فكانت محاولتهم اغتيال قائدها الراحل جمال عبد الناصر (سنة 1954).. وكانت تلك الغلطة التي كلفتهم وجودهم العلني كحزب مؤثر. وكان عليهم أن ينتظروا «حكم الردة» مع أنور السادات ليعودوا إلى الحياة العامة، علناً، قابلين بفتات من السلطة عبر عدد محدود من أعضاء مجلس الشعب... لكن السادات أفاد من «رمزيتهم» كثيراً عند ارتكابه زيارة القدس المحتلة وخطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، ممهداً بذلك لمسيرة الصلح المنفرد الذي أخرج مصر من عروبتها وعليها.
لعله الجوع إلى السلطة، أو ربما كان الشبق إلى السيطرة المطلقة على المجتمع (والدولة) بغير شريك... أو لعلها النزعة إلى إرجاع التاريخ إلى الوراء، كأنما الدين الحنيف قد سكن الماضي لا يغادره، في حين أنه ـ في جوهره ـ يحرّض على التقدم بالعلم والكفاءة، وهو قابل للتكيف مع العصر: «لا تكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»... فالدين الحق في خدمة الإنسان وتقدمه نحو مجتمع العدل والحرية.
... ونعود إلى تونس التي اختارت ماضيها الديموقراطي، نوعاً ما، كطريق إلى مستقبلها الأفضل، بعدما رفضت أن يحكمها «الإخوان» بالشعار الديني الذي أثبتت تجاربه في السلطة أنه يجافي العصر، بينما أكدت تنظيمات الإسلام السياسي الأكثر تطرفاً، بنموذج «داعش»، أنها تعيش في الماضي وبه، وأنها لا تعرف إلا الدم طريقاً إلى السلطة في ظل «خليفتها» بالرولكس في يمينه.
وبالتأكيد فإن شعب تونس يستحق التهنئة على خياره الاضطراري الذي جعله يهرب من «مستقبل إخواني» إلى «ماض بورقيبي»، كانت عيوبه السياسية فاضحة عربياً، لكن ممارساته في الداخل ظلت مشدودة إلى تقليد الديموقراطية الغربية، فأصاب قليلاً وأخطأ كثيراً، وتمسك بالسلطة حتى وهو عاجز عن الحركة كما عن التعبير عن أفكاره. ويبقى إنجازه الأكبر متمثلاً في «المجتمع المدني» الذي انتصر لذاته ـ وليس لبورقيبه ـ في الانتخابات الرئاسية، واختار المرشح «المدني» في وجه المرشح المدعوم من الإخوان، تعبيراً عن طموحه إلى التقدم، والمزيد من التقدم... كما هي حال مختلف المجتمعات العربية.
والنظام المصري، الذي ارتضى الميدان ـ مكرهاً ـ أن يكون رأسه «عسكرياً»، أمام امتحان جدي لقدرته على التخفف من عسكريته عبر التعجيل في إنهاء المرحلة الاستثنائية، وتمكين الشعب من بناء مؤسساته الديموقراطية (وأولها مجلس الشعب) بالديموقراطية وليس بالأمر, وذلك احتراماً لإرادة ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع ليسقطوا حكم «الإخوان»، طلباً لحياة ديموقراطية كريمة.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المجتمع المدني» يهزم «الإخوان» في تونس «المجتمع المدني» يهزم «الإخوان» في تونس



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab