عن الحرب الإسرائيلية على غزة ومصر الأكبر من مخاصمة فلسطين

عن الحرب الإسرائيلية على غزة.. ومصر الأكبر من مخاصمة فلسطين

عن الحرب الإسرائيلية على غزة.. ومصر الأكبر من مخاصمة فلسطين

 عمان اليوم -

عن الحرب الإسرائيلية على غزة ومصر الأكبر من مخاصمة فلسطين

طلال سلمان

داهمت الامتحانات الصعبة السلطة الجديدة في مصر فور استقرارها في قصور الحكم.. بل إن بعض هذه التحديات قد سبقتها لتفرض عليها قرارات سريعة، كاد أن يخشى أن تصدر بردات فعل غاضبة نتيجة سوء الفهم أو سوء التقدير أو الأحكام المسبقة.
لقد تعودت القاهرة أن تكون مركز القرار.. وحتى في أيام ضعف السلطة أو تهافتها، أو في أيام تحزب السلطة فيها أو عصبيتها، ظلت القاهرة تطالب بهذا الحق، بالرغم من تزايد أعداد المعترضين، إما لأسباب مبدئية وإما لشعور البعض بتناقص قدرة القاهرة على التأثير عربياً، ومن ثم دولياً، وإما نتيجة لافتراق العرب عن بعضهم البعض وتبعثرهم أيدي سبأ.
لكن الحرب الإسرائيلية الجديدة على غزة أخطر بما لا يقاس من الاختلاف السياسي مع «حماس»، ولأسباب شديدة الوضوح: فهي - بداية - حرب ضد الشعب، كل الشعب الفلسطيني في غزة، وهو هو الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية كما انه هو هو الشعب الفلسطيني في الداخل (1948)... وبالتالي فهي حرب ضد هوية هذا الشعب بقدر ما هي ضد عروبته.
ثم إن إسرائيل تحاول أن تستفيد من الخلافات المستعرة بين السلطة في مصر وبين تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي خلعه المصريون قبل عام ونيف، فتحاول تصوير غزة بالمليون ومئتي ألف فلسطيني فيها، نساء ورجالاً وشيوخاً وأطفالا، وكأنهم جميعاً من «الإخوان»، وبالتالي فهم «خصوم» لمصر وسلطتها بالحد الأدنى و«أعداء» بالحد الأقصى... وبالتالي فإن إسرائيل تحاول إيهام السلطة في مصر أنها إنما «تحارب لحسابها»، وتكمل معركتها داخل مصر في الساحة القريبة منها، والتي طالما صورت وكأنها «قاعدة خلفية» للإخوان، ومصدر إزعاج للسلطة في مصر بأنفاقها التي لا تنتهي، والتي كانت تستخدم لتهريب السلاح و«الإخوان» إلى داخل غزة ثم تحولت إلى تهريب السلاح و«الإخوان» المسلمين إلى داخل مصر.
ولقد سقطت بعض أجهزة الإعلام المصرية في هذا الفخ، وتورط إعلاميون مفتوح لهم الهواء في حملات عنصرية ضد الفلسطينيين عموماً، واندفعوا إلى ابعد مما وصل إليه الإسرائيليون، فانحدروا إلى الشتيمة والإهانات والتجريح المباشر بالشعب الفلسطيني جميعاً.. ولم يتورع بعض هؤلاء عن التحدث بحذائه، متخطياً الانحياز إلى العدو الإسرائيلي إلى شن حرب عنصرية جاهلية ضد أي فلسطيني وكل فلسطيني.
أما الدول العربية الأخرى، في المشرق أساساً، ثم في بعض المغرب، فمعظمها غارق حتى أذنيه في حروب داخلية، معظمها ضد حركات إسلامية لا يحتل «الإخوان» موقع الصدارة فيها، بل هي تتجاوزهم بكثير وصولاً إلى المناداة بالخلافة.
على هذا فإن الأكثرية الساحقة من الأنظمة العربية مشغولة عن غزة وما يجري فيها ولها بمعاركها المباشرة والعسكرية غالباً ضد تنظيمات إسلامية أعظم تشدداً من «الإخوان المسلمين» وأخطر بمنطلقاتها الفكرية وباستهدافاتها السياسية من أقصى طموحات «الإخوان» ومفتيهم القرضاوي. هكذا وجدت إسرائيل أنها، بمدافعها وطيرانها ودباباتها والصواريخ، حرة في قرارها بشأن غزة وأهلها، تقصفها من الجو والبحر والبر، تقتحم أحياءها الفقيرة المبعثرة مدناً صغيرة وقرى، هي في حقيقة الأمر مخيمات لجوء متكرر: 1948، 1967، 1973، الخ.
بالمقابل، فقد أساء أصحاب القرار في القاهرة تقدير الموقف، ولعلهم افترضوا أن الاعتداء سيقتصر على بضع غارات جوية، أو على «عملية عسكرية محدودة» تأتي إليهم بـ«حماس» تائبة، مستغفرة، تصالحهم بشروطهم، لكي يتدخلوا لوقف العدوان الإسرائيلي. كما قد تأتي إليهم بإسرائيل طالبة وساطتهم لوقف الحرب.. وهكذا تربح السلطة في مصر على الضفتين.
لكن العدوان الإسرائيلي تطور إلى حرب فعلية، في البر والبحر والجو، استهدفت أهالي غزة جميعاً، بالنساء والشيوخ والأطفال، لا سيما الأطفال، وبالبيوت والمستشفيات والمنشآت القليلة القائمة في هذا القطاع المحاصر.
صار العدوان حرباً شاملة ضد كل ما وكل مَن في غزة و«المدن» الأخرى من حولها، التي هي في حقيقة الأمر مخيمات لجوء نفخها تزايد أعداد اللاجئين إليها من أنحاء فلسطين الأخرى، عبر الحروب المتكررة عليها جميعاً.
وبالتالي لم تعد ذريعة الخصومة كافية للتستر بها والامتناع عن نجدة أهل غزة، بكل من فيها... خصوصاً وأن مقاتلي «حماس» ومعهم رفاقهم في «الجهاد الإسلامي» خصوصاً، ثم في الجبهات الفلسطينية المختلفة (والجبهة الشعبية بشكل خاص) كانوا شركاء في مواجهة الحرب، كلٌ بحسب إمكاناته.
هي حرب إسرائيلية على فلسطين في غزة. وهي بالتالي حرب إسرائيلية على مصر، كما على لبنان الذي لم تجف بعد دماء شهدائه في الحرب الإسرائيلية عليه في مثل هذه الأيام من العام 2006، كما على سوريا التي لم تمنع الحروب فيها وعليها إسرائيل من شن الغارات المتكررة على بعض المنشآت العسكرية ذات الأهمية الإستراتيجية خلال السنوات الثلاث الماضية... وهي حرب على العراق المشغول بالفتن التي تكاد تذهب بدولته، كما على سائر الدول العربية في المشرق والمغرب.
وفي أي حرب إسرائيلية على أي بلد عربي، لا يمكن أن تكون مصر هي الوسيط... فإذا ما تعذر عليها أن تكون «القائد»، فلا يمكن أن تتدرج نزولاً في شروط «المساعي الحميدة»، بحيث تقارب الشروط الإسرائيلية، بالرغبة في الثأر من «الإخوان».
ليست هذه اللحظة المناسبة للحساب. وليس لحساب العدو يكون الثأر، إن كان لا بد منه.
ومنذ زمن ليس بقليل، خسر العرب ما كان تبقى من أسباب تضامنهم في مواجهة عدوهم المشترك، إسرائيل، وانقسموا معسكرات تقاتل بعضها بعضاً، موفرين للعدو فرصة ذهبية لقتال كل دولة منهم على حدة وإلحاق الهزيمة بها، تمهيداً «للصلح» بشروطه القاسية.
صار العرب معسكرين، ثم ثلاثة معسكرات، فأربعة، فخمسة... ثم انقسم كل معسكر على نفسه، قبل أن تشتعل نيران الحروب بين العرب والعرب، بينما الاحتلال الإسرائيلي يذوِّب فلسطين التي شرخت ثلاثة أجزاء: «الداخل - أي أراضي 1948 التي ضمها الإسرائيليون إلى كيانهم السياسي»، و«الضفة الغربية» التي تحولت منظمة التحرير الفلسطينية إلى «سلطة» فيها بعد «اتفاق أوسلو»، وقطاع غزة الذي انفصل عن «السلطة» ذات يوم، نتيجة الاختلاف بين «حماس» ومنظمة التحرير، وكان على وشك العودة أو في الطريق إليها عشية الحرب الإسرائيلية الجديدة... ولعل هذا بين أسباب الاستعجال الإسرائيلي لهذه الحرب.
من زمان، كان الحكام العرب كثيراً ما يختلفون في ما بينهم، ولأسباب شتى، فيها الشخصي وفيها السياسي، فيها المحلي، وفيها ما هو بإيعاز من الخارج ولحسابه، لكن الشعوب العربية ظلت، وإلى حد كبير، تتحصن بوحدة مشاعرها الوطنية والقومية، مبتعدة عن صراع الأنظمة، معززة وحدة موقفها بفلسطين، كل فلسطين، بغض النظر عن تشطيرها المفروض بالأمر.
أما اليوم فالأمر مختلف جداً، ذلك أن الأنظمة قد نجحت في «تحريض» الشعوب العربية ضد فلسطين عموماً، وضد غزة خصوصاً، إما بسبب خلافاتها السياسية مع «السلطة»، أو بسبب صدامات بعضها مع تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي بلغ ذروته في ظل «الحرب» بينهم وبين النظام الجديد في مصر، وحربهم على النظام في سوريا، وعلى النظام في العراق، وحول النظام في ليبيا الخ.
وها إن الحرب الإسرائيلية الرابعة أو الخامسة على الشعب الفلسطيني تدور رحاها تحت غطاء من الصمت العربي الرسمي شبه الكامل.. بل إن جهات عربية عديدة، رسمية وإعلامية تكاد تتبنى المنطق الإسرائيلي في تبرير هذه الحرب، هذا إذا ما تجاهلنا نبرة «الشماتة» وسحب الموقف من «حماس» على الشعب الفلسطيني جميعاً، والذي يتجاوز في قسوته أحياناً مواقف جنرالات الحرب الإسرائيلية بالذات.
لم يعد للعرب موقف واحد من «العدو» الإسرائيلي، حتى وهو يحارب بعضهم. ومن أسف أنهم يجدون في الانقسام الفلسطيني ما يغطون به فضيحة التخلي عن شعب فلسطين العربي - الضحية.. هذا إذا ما تناسينا أولئك الذين يقدمون العداء للفلسطينيين على العداء لهذه القوة الغاشمة التي استقدمت من خارج دنيانا لتحتل الأرض المقدسة التي لم تكن لها، ولم تكن فيها أبداً: إسرائيل.
بل يمكن القول إنه لم يعد للعرب «موقف» بسبب من فرقتهم وخلافات أنظمتهم التي أدخلتهم في حروب ضد بعضهم البعض، هاربة من ميدان المواجهة مع عدوهم القومي الواحد، إسرائيل التي نظرت وتنظر وستنظر إليهم جميعاً على أنهم أعداء وجودها وأعداء دولتها حتى لو صالحوها بشروطها... وهذا موقفها الثابت الذي لن تغيره، مهما تكاثرت معاهدات الصلح التي تكاد أن تكون استسلاماً، وربما تحولت - أحياناً - إلى تواطؤ أطراف عربية ضد أطراف عربية أخرى. بل إن بعض الأنظمة العربية لا تخفي «سعادتها» بالضربات الإسرائيلية لبلاد عربية مفترضة أن أذاها سيرتد على الأنظمة المخاصمة، متناسية ما سيصيب الشعب والدولة في تلك البلاد من أذى خطير وأضرار لا يمكن تعويضها.
هذا لا يعني تجاهل أو تناسي مواقف «الإخوان المسلمين» التي كثيراً ما جاءت متعارضة مع الوجهة العامة للرأي العام العربي بمختلف تلاوينه الفكرية والسياسية. ولقد بلغ هذا التعارض ذروته عندما أتيح لـ«الإخوان» في غفلة من قوى الميدان في مصر أن يستولوا على السلطة في القاهرة، وأن يكشفوا عن برنامجهم المتناقض مع الإرادة الشعبية داخل مصر، كما في سائر أنحاء الوطن العربي.
لقد كانت تلك سقطة خطيرة لـ«الإخوان المسلمين» فضحت تلهفهم للاستيلاء على السلطة بأي ثمن، واندفاعهم إلى التحالف المخالف للطبيعة مع أنظمة غير عربية (تركيا) تربطها علاقة وثيقة تقارب التوحد في الموقف مع إسرائيل.
لكن اللحظة غير مناسبة الآن للمحاسبة عما كان من مواقف قبل الحرب الإسرائيلية بنتائجها المدمرة التي يمكن أن تشكل فرصة لتصحيح العلاقات بين الأطراف المعنية وبالدرجة الأولى بين القاهرة وكل من يقاتل إسرائيل، إسلامياً كان أم وطنياً.
فالقاهرة اكبر من الخصومة، وأوسع صدراً من أن تحقد أو تتصاغر بحيث تصير طرفاً، كما الآخرون، ينسى القضية المقدسة بدافع النكاية أو الانتقام أو الكيدية.
والأمل في القاهرة، بسلطتها الجديدة، أن تبقى المرجع والمعين والمرشد للمخطئ كما للمصيب من أهلها العرب، في فلسطين وخارجها.

 

omantoday

GMT 13:53 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 13:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 13:51 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 13:50 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 13:49 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 13:48 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 13:47 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 13:46 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الحرب الإسرائيلية على غزة ومصر الأكبر من مخاصمة فلسطين عن الحرب الإسرائيلية على غزة ومصر الأكبر من مخاصمة فلسطين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab