لبنان بين البطالة السياسية والحروب الأهلية العربية

لبنان: بين البطالة السياسية والحروب الأهلية العربية

لبنان: بين البطالة السياسية والحروب الأهلية العربية

 عمان اليوم -

لبنان بين البطالة السياسية والحروب الأهلية العربية

طلال سلمان

كشفت البطالة السياسية التي يعيشها لبنان من دون رأس لدولته، أو ربما من دون دولة تقريباً، حالة العجز الفاضح التي تسود في معظم الدول العربية التي كانت تهتم لأمره لأنه بتميزه شهادة لها في حرصها على التنوع والتعدد داخل الهوية القومية الواحدة.. وعلى رضا «المجتمع الدولي» الذي أقام «الكيان»..

ذلك أن انكشاف لبنان يعني، مباشرة، أن العرب، بدولهم العديدة، سواء تلك المؤثرة بموقفها السياسي أو تلك المؤثرة بثروتها، قد فقدوا عناصر القوة معنوياً وانشغلوا بهمومهم الثقيلة التي وصلت حد الانخراط في حروب في الداخل (كما في سوريا والعراق وليبيا وتونس..) أو في الجوار القريب ومن دون مبررات مقنعة (كما حال السعودية في اليمن)، أو في البعيد (كما السعودية وقطر في سوريا)... فضلاً عن أن مصر التي كانت تلعب دور المرجعية المسلم لها بالدور القيادي في الماضي مشغولة الآن بمشكلاتها الداخلية التي عنوانها اقتصادي، وإن كان غياب الحياة السياسية فيها يزيد الوضع صعوبة ويعطل دورها العربي إلى حد كبير..

لقد اندثر العمل السياسي في الأرض العربية، مشرقاً ومغرباً، ليملأ الفراغ «الإرهاب» بتنظيماته وتشكيلاته المسلحة التي تعاظمت قدراتها لأن «الأنظمة» التي احتكرت العمل السياسي قد فرضت على شعوبها حصر اهتمامها بلقمة العيش والابتعاد عن الشأن العام و «وجع الرأس».

أليس لافتاً هذا الفراغ المفزع في الشارع العربي حيث لا أحزاب ولا قوى سياسية ولا نقابات عمالية ومهنية، بعدما قمعت جميعاً وأفرغت من قوتها التمثيلية، ولم يتبقَّ إلا النظام وحيداً. في حين برزت وتقدمت نحو السيطرة على «الشارع» التنظيمات العسكرية والميليشيات المسلحة، الطائفية منها والمذهبية ثم العنصرية؟!

تحولت الميادين في المدن العربية العريقة إلى جبهات قتال، وصارت الشوارع الموصلة بين الأحياء أو بين المدن، في البلد الواحد، إلى خنادق موت، وانفتحت في جدران البيوت التي كانت آمنة أو «مطهرة» من السياسة، فوهات للقنص والقتل المجاني لأعداء متوهمين، بينهم أسر تبحث عن مأوى يقيها مخاطر الموت بالصدفة وأطفال مشردون يطلبون طعاماً في ركام النفايات!

انكشفت حقائق كانت مطموسة أو مموهة أو مسكوتاً عنها بالخوف أو التواطؤ، فإذا النظام قد استبطن الوطن فألغاه، وإذا «الحاكم» قد تحول من رمز إلى خرافة، ومن «قائد لمسيرة التقدم نحو الاشتراكية والوحدة والحرية»، أو إلى العزة والكرامة والسيادة، إلى بطل للحرب الأهلية في مواجهة جموع الغاضبين من أبناء شعبه الذين كانوا «رعايا» فتمردوا ولكنهم لم يصيروا «مواطنين» لأن «الوطن» مغيب، أو موضع إعادة نظر، خصوصاً وأن «الهوية» لم تعد رابطة تجمع في أفيائها المختلفين في أصولهم أو في منابت انتماءاتهم التاريخية!

صار لبنان ثلاثة أو أربعة أو خمسة لبنانات، بذرائع طائفية تستبطن نوعاً من الانفصال على شكل كانتون ينتخب نوابه، باستقلال عن سائر الكانتونات.

.. وصارت سوريا الواحدة الموحدة كدولة منذ تسعين عاماً، والتي كانت «قلعة قومية» وملاذاً للمحرومين من أوطانهم أو المحرومين في أوطانهم، عشر سوريات أو ربما خمسة عشر «وطناً» لخمس عشرة أقلية صيّرت ذاتها أو صيّرتها «الدول» مشاريع دول منفصلة عن «دولتها ـ الأم»، بل ومعادية لها..

أما العراق فقد تمزق جهات بطوائف وعناصر مقتتلة، لا هي قادرة على الانفصال تماماً، ولا هي مؤهلة بعد حروب الطوائف والمذاهب لأن تبقى دولة واحدة وموحدة... خصوصاً وأن تجربة الأكراد في الشمال اتخذت طابعاً من التحدي و «الاستكبار» على المركز بفضل المساندة الدولية التي لم تغب عنها إسرائيل.. وهو استكبار يشابه في مضمونه قاعدة لبنانية تقول بأن حقي حقي وحقك حقي وحقك..

.. وأما إمارات الخليج التي لم تكن، في أي يوم، متحمسة للتوحد، لأن ذلك سيخضعها للمملكة المذهبة، فقد اضطرت إلى الانخراط ـ مرغمة ـ في حرب من طرف واحد ضد الدولة الأفقر في شبه الجزيرة العربية، أي اليمن... وهكذا انتبهت متأخرة إلى أنها تساهم في تدمير التاريخ في تلك الأرض التي شهدت فجر الحضارة الإنسانية، والتي بذل أبناؤها الفقراء عرق الجهد في البناء والإعمار مساهمين في تحويل هذه المشيخات إلى دول، فإذا مكافأتهم ـ بعد الطرد واستبدالهم بعمال آسيويين ـ تدمير بلادهم العريقة والسابقة إلى الحضارة ورمزها الدولة، وإذلالهم بالتجويع.

حلت التشكيلات المسلحة محل الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني، صارت هي السلطة ومصدر القرار، بل هي «الشعب» وممثلة إرادته بصواريخها ومدافعها.. واحتكرت مجال العمل السياسي خصوصاً وقد وجدت «دولاً» شقيقة (أو عدوة لا فرق) تدعمها... واندثرت الصيغ القديمة للعمل الوطني (الأحزاب ذات العقائد) ولم يعد لها من وظيفة بعدما طغى صوت الرصاص فعطل العقول وأسقط البرامج ومحاولات المصالحة بين الأخوة الذين تحولوا إلى أعداء..
فمن أين يأتي الغد الأفضل؟!

ذلك هو السؤال العربي الكبير الذي لا يجد من يجيب عليه! ذلك أن المؤهلين للإجابة قد هاجروا أو هلكوا أو التهمهم اليأس..
مع ذلك سنبقى متمسكين بالأمل.. ولولا حب الوطن لخرب بلد السوء، كما قال الخليفة عمر بن الخطاب، ذات يوم مضى..

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان بين البطالة السياسية والحروب الأهلية العربية لبنان بين البطالة السياسية والحروب الأهلية العربية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab