«تذويب» الدول في الوطن العربي  لتبقى إسرائيل دولته الوحيدة

«تذويب» الدول في الوطن العربي ... لتبقى إسرائيل دولته الوحيدة؟!

«تذويب» الدول في الوطن العربي ... لتبقى إسرائيل دولته الوحيدة؟!

 عمان اليوم -

«تذويب» الدول في الوطن العربي  لتبقى إسرائيل دولته الوحيدة

طلال سلمان

«تذوب» الدول في المشرق العربي وبعض المغرب، وكأنــها صنــعت من شمع. تكفي نظرة متعجلة إلى الخريطة السياسية لهذه المنطقة حتى تتأكد من صحة هذا الاستنتاج.
**لتكن البداية من لبنان الذي يفتن أخوته العرب بنظامه الفريد وحيوية شعبه الفائقة وشغفه بالحياة بحيث صار «جنة عدن» بالنسبة إليهم:
لبنان بلا رئيس لجمهوريته منذ عشرين شهراً، وليس واضحاً متى يكون لدولته رأس، بغض النظر عن «الشخص» ودوره في لعبة الحكم الائتلافي بقوة التوازنات الطائفية في الداخل المحمية دولياً..
ومجلس النواب معطل بالآمر. ينزل بين الحين والآخر جمع من النواب لتأكيد حضورهم، وهم واثقون من أن النصاب لن يكتمل، فيسجلون «نقطة» على خصومهم أمام الكاميرات ثمّ ينصرفون يملأهم الشعور بالرضا عن النفس. أما حكومته فمشلولة، لا يكتمل نصابها إلا بصفقة بين أطرافها على «عملية» ما، تؤمن المصالح بالتوازي فإذا الكل رابح، والدولة وحدها الخاسر (.. ومعها الشعب طبعا!)
والدولة دائماً مجمدة على باب الفتنة: يكفي استبدال موظف من طائفة معينة بآخر من طائفة ثانية حتى يسود خطر انفجار الحرب! فالدولة ضيف شرف تقف دائماً على شفا الانفجار!
* سوريا بلا دولة، فعليا. ثمة رئيس دولة، وحكومة، ومجلس شعب... لكن الحرب فيها وعليها تأكل الدولة والشعب وأسباب العمران والمؤسسات جميعا، الجامعات، المدارس، المصانع، المستشفيات، الجيش وقوى الأمن التي يتحول بعضها إلى ميليشيات. ثمة جيل، بل جيلان، قد فقدا دورهما في البلاد بل أملهما في الحياة في وطن آمن بدولة عادية، بينما الميليشيات والعصابات المسلحة تنهب أموال الدولة وأرزاق المواطنين... والشوارع بحور من دمائهم.
**العراق مزدحم «بالدول»، تكاد تكون لكل جهة ـ طائفة دولتها، لكن لا دولة لعموم العراقيين. في بغداد ـ العاصمة، مركز الدولة، يخافون من «الدول» الأخرى فيتم تحصينها بسور من الإسمنت المصنع. للشرق دويلاته، وفــي الغرب «دولة داعش»، وفي الشمال «الدولة الكردية» المهددة بالانشطار إلى دولتين، إحداهما برعاية تركيا والثانية برعاية إيران، أما الجنوب حيث النفط على سطح الأرض، فيدور صراع عنيف على الذهب الأسود، ومن له الحق فيه إنتاجاً واستخراجاً وبيعاً في السوق السوداء أو البيضاء، لا فرق...
العرب مقتتلون، مذهبيا في ما بينهم، والأكراد مقتتلون على «دولتهم» المهددة بالانشطار، والدول الغربية جميعاً توفد أساطيل طيرانها الحربي لمقاتلة «داعش» المتحصن في الموصل، فإذا «الخليفة أبو بكر البغدادي» أقوى من جميعهم.. بدليل أن الإدارة الأميركية، تقدر أن هذه الحرب الدولية عليه لم تفقده حتى هذه اللحظة، وبعد عام طويل من القصف الجوي والهجمات البرية إلا «بعض» مصادر قوته، أي حوالي الخمس منها، وأن الانتصار عليه سيتأخر لسنوات... هذا إذا لم يلجأ إلى الهجوم المباشر في عواصم غربية عدة (باريس كمثال)، ليشغلهم بالدفاع عن عواصمهم وتفرق صفوفهم وتعاظم خلافاتهم التي ســوف تضــعف قدراتهم في الحرب للقضاء عليه... هذا إذا كانوا يريدون فعلاً التلاقي في جبهة موحدة لمواجهته بالقوة القادرة على إنجاز هذه المهمة.
* باستثناء الكويت، فإن دول أقطار الخليج، وقطر بالذات، قد انتــفخت بالغاز (أو النفط) وتورمت، متوهمة أنها صارت دولاً عظمى قادرة على شراء الدول والتحكم بمصائرها (ليبيا وتونس، مثلاً) ليس في الوطن العربي فحسب، وإنما يمكن أن تصل بنفوذها المذهب إلى دول كثيرة في بعض أنحاء أفريقيا وأميركا اللاتينية، فضلاً عن بعض الدول الإسلامية الفقيرة.
وها هي أسراب الطيران الحربي السعودي أساسا ومعه بضع طائرات حربية خليجية، تدك أنحاء اليمن شمالاً وجنوباً، عاصمة وأريافا، ساحلاً وجبلاً، منذ شهور طويلة من دون أن يتحقق «الأمل» بإسقاط آخر مبنى يجسد بدايات الحضارة الإنسانية في اليمن السعيد.
بل إن الناطق العسكري باسم الحرب السعودية على اليمن قد خرج على الناس، قبل أيام، يؤكد أن بلاده مستعدة لإيفاد قوات مسلحة لتقاتل ضد النظام في سوريا، مما دفع إلى التساؤل عن الأسرار الخفية في تحويل المملكة المسماة باسم عائلة، من دولة غنية، إلى دولة جبارة تستطيع دفع جيوشها إلى ميادين قتال متعددة، خارج حدودها، وعن الفوائد التي يمكن أن تجنيها من مثل هذه المغامرات العسكرية غير المحسوبة والتي تتجاوز كل ما هو معروف عن الإمكانات الحربية للدولة المذهبة؟
* ومن حق الناس، في مختلف البلاد العربية، أن يتساءلوا: إذا كان عند دول مجلس التعاون الخليجي كل هذا الفائض في أسباب القوة، فلماذا لم يستخدم في «المعارك الأصلية» المتصلة بحماية المصير العربي المهدد في أكثر من جهة في هذا الوطن العربي الممتد بمساحة قارة وبإمكانات بشرية وثروات طبيعية هائلة؟ كمثال ومن باب تنشيط الذاكرة، يمكن الإشارة إلى فلسطين...
* أما غرب الوطن العربي فأحواله لا تقل بؤساً عن أحوال المشرق.. ذلك أن وجود «داعش» ما زال ملتبسا في مصر، وتحديداً في صحراء سيناء، أما في الداخل فهو محدود، ولكنه قابل للنمو... ولا يمكن لأي عاقل أن يستبعد دعما إسرائيلياً ما لهذا التنظيم الإرهابي ودفعه لمشاغلة مصر وهي تحاول التغلب على الإرث الثقيل الذي خلفه الحكم الممتد دهراً لحسني مبارك، مع إضافة السقطات التي ارتكبها حكم «الإخوان» الذي جاء في أعقاب مرحلة الفوضى، مما أنهك مصر وتسبب في ارتباك قرارها السياسي نتيجة الوهن الاقتصادي الذي يعطل حلم النهوض الذي بشر به «الميدان» قبل خمس سنوات طويلة..
] وإذا كان وجود «داعش» في مصر ضعيفاً وملتبسا مع الغرض الإسرائيلي، فإن هذا التنظيم الإرهابي يتحرك في ليبيا براحة، ويوجه ضربات قاتلة لمشروع إعادة بناء الدولة فيها، ويتخذ منها منصة لتهديد أوروبا التي تكاد سواحلها ترى بالعين المجرد من بعض أنحاء ليبيا.. فضلاً عن حربه المفتوحة ضد مصر، والتي تقصد بأن يعطيها دلالات طائفية، حين أقدم على إعدام أكثر من عشرين قبطيا من العمال المصريين الذين قصدوا ليبيا سعياً إلى الرزق الحلال بعرق الجبين... وواضح أن هذا التنظيم قد اتخذ من بعض جهات ليبيا، بالمدن الساحلية فيها، فضلاً عن قواعده الخلفية في صحرائها التي تتقاطع مع أكثر من دولة أفريقية، «منصات هجوم» على الأهداف التي يحددها سواء في الساحل الأوروبي المقابل أو في بعض الدول الأفريقية، حيث له قواعد خلفية في النيجر ونيجيريا وصولاً إلى مالي، حيث دمر في تومباكتو بعض أثمن التراث الفكري الإسلامي الذي كان محفوظاً في بعض مكتباتها ذات التاريخ.
وبديهي أن تتمكن جحافل «داعش» من التحرك بحرية في الأرض الليبية الواسعة، وأن تنطلق من بعض حدودها في اتجاه تونس، ومن بعضها الآخر في اتجاه الجزائر، فضلاً عن المدى المفتوح أمامها أفريقيًّا.

***
باختصار، فإن العديد من الدول العربية تبدو في هذه اللحظة، مهددة بالتفكك.
... وإذا ما سقطت هذه الدول المهددة في كياناتها في الغد القريب، فلا أحد يملك القدرة على تصور البديل: هل هو التقسيم على قاعدة طائفية ـ مذهبية في أقطار معينة، ثمّ على قاعدة عنصرية في أقطار أخرى؟ وهل تجيء الفيدرالية محمولة على أسنة رماح الجيوش الأجنبية التي يمكن أن توفدها عواصم القرار في العالم لإنقاذنا من دولنا؟
ألا يقودنا هذا الاستنتاج إلى التسليم بمقولة غريبة معلنة تفيد بــأن إســرائيل هــي «الدولة الوحيدة» في الشرق الأوسط، وأن جوارها جميعاً مهدد بأن يتحول إلى محميات لها، وهي وحدها من يقرر لها مصيرها وليس فقط طبيعة النظام وسياسات أهل الحكم فيها؟

omantoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

نظام القتل الاصطناعي!

GMT 14:41 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بين 6 و7 أكتوبر

GMT 14:22 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

جولة بلينكن!

GMT 16:31 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

عبقرية الطوفان

GMT 16:26 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

توقعات قاضٍ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تذويب» الدول في الوطن العربي  لتبقى إسرائيل دولته الوحيدة «تذويب» الدول في الوطن العربي  لتبقى إسرائيل دولته الوحيدة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab