بين اجتياح داعش وطلب الاستعمار مجدداً العرب يرجعون إلى ما قبل الدولة

بين اجتياح "داعش" وطلب "الاستعمار" مجدداً: العرب يرجعون إلى "ما قبل الدولة"؟!

بين اجتياح "داعش" وطلب "الاستعمار" مجدداً: العرب يرجعون إلى "ما قبل الدولة"؟!

 عمان اليوم -

بين اجتياح داعش وطلب الاستعمار مجدداً العرب يرجعون إلى ما قبل الدولة

طلال سلمان

ما إن يستقر يقين أبناء هذه الأرض على انتمائهم إليها واستحقاقهم شرف هويتها العربية، حتى يخرج لهم، من حيث لا يتوقعون، من يجادلهم، عبر النقاش السياسي الملوّث بنبرة طائفية، حول أصولهم وفروعهم، ويفرض عليهم أن يختاروا بين الهويات الدينية والسياسية التي تتداخل فيهم: هل انتماؤهم كياني جغرافي، أم إنساني تاريخي، أم مستقبلي مفتوح على العصر؟
هل اللبناني فينيقي فعلاً؟ وهل كان ـــ في التاريخ ـــ وحده الفينيقي من أبناء هذا «الساحل السوري»؟ وهل المصري فرعوني، مجرد متحدر من سلالة الفراعنة أم هو نتاج حقبات تاريخية تداخلت فيها «قوميات» و «أعراق» حتى صار ما صار عليه مع غلبة واضحة للإسلام كدين وللعربية كلغة تؤسس لهوية؟ وهل الفلسطيني كنعاني مقطوع الصلة بالفينيقي في لبنان وسوريا وبالقبائل العربية في البيداء الممتدة ما بين ساحل البحر الأحمر وعمق الجزيرة العربية، مروراً ببادية الشام التي تتضمن شرق الأردن وتخترق العراق وصولاً إلى اليمن عبر الحجاز؟ وأين السرياني في السوري والأشوري ـــ الكلداني ثم الكردي فيه كما في العراق، فضلاً عن القبائل العربية التي جاءته قبل الفتح، ثم تدفقت عليه بعده؟ وهل الجزائري والمغربي بأكثريتهما من البربر، وهل البربر غير العرب أم أنهم منهم في الأصل، لا سيما إذا ما استذكرنا أن مشاهير في الثورة والفكر والإبداع الثقافي وعلى امتداد القرنين الماضيين، كانوا من دعاة العروبة، بل ومن أعلامها، إنما يتحدرون من البربر؟ ثم أليس في الليبي خليط من القبائل العربية والبربر والتبو؟
بعد الأنساب والأعراق، جاءت الدعوات والحركات الفكرية ـــ السياسية، في القرن الأخير، لتزيد الأمور تعقيداً: هل اللبناني هو ابن جبل لبنان وحده، أم أن لبنان بجبله وسهوله وسواحله وطن واحد بهوية واحدة، عربية بالضرورة السياسية والواقع الجغرافي؟ وهل سوريا بالهوية السياسية الحالية هي بعض بلاد الشام التي مزقتها معاهدة «سايكس ـــ بيكو» إرباً، عشية اندثار السلطنة العثمانية، فصارت دولاً عدة بعضها لبناني والبعض الآخر سوري والبعض الآخر الفلسطيني صار «إسرائيل» والبعض الرابع صار المملكة الأردنية الهاشمية وما تبقى من سوريا الطبيعية صار العراق؟
بمعنى آخر: من هم أبناء هذه الأقطار، التي كانت بعض أرض الخلافة العربية الإسلامية، ثم صارت ولايات في الدولة الأموية أو الدولة العباسية أو الفاطمية قبل أن يأخذها المماليك ثم ترثها عنهم السلطنة العثمانية؟ ألم ينصهروا جميعاً وعبر روابط التاريخ والجغرافيا والدين، واللغة بوصفها الوجدان ولسانه، على امتداد ألف وأربعمئة سنة، حتى باتوا أمة واحدة؟
وهل انوجدت أمم ـــ دول أخرى كالولايات المتحدة الأميركية تحديداً، ومن قبلها فرنسا وألمانيا وسائر جهات أوروبا، على قواعد أخرى غير التاريخ المشترك (وأحياناً بلا ماض، كالنموذج الأميركي) واللغة والدين كعنصر مكوّن للأكثرية؟
وهل انفصال هذه الأقطار العربية بعضها عن بعض، والصراعات بينها على الحدود التي كثيراً ما أوصلت إلى حالة من القطيعة والمخاصمة تقارب الحرب، إلا واحدة من نتائج التدخل الأجنبي الذي رسم الخرائط وأقام الحدود السياسية التي قسمت القبيلة الواحدة والعائلة الواحدة إلى «مواطنين» في أكثر من دولة؟
أين الحدود بين لبنان وسوريا؟ وبين سوريا والأردن الذي كان بعضها، وبين سوريا والعراق، والعراق والكويت، ومصر وليبيا، وليبيا وتونس، وتونس والجزائر، والجزائر والمغرب، وبين مصر والسودان، والسودان وليبيا... من قررها وفي أي ظروف وهل كان للناس في تلك الأقطار جميعاً رأيهم في حدود الدول التي وُزعوا عليها بالأمر الأجنبي؟
ربما... ولكنه يتجدد الآن بحثاً عن حدود جديدة بين مشاريع الدول التي يجري الحديث حولها، في ظل تفجر الأوضاع في كل من سوريا والعراق، أساساً، في المشرق، والسودان وليبيا في الجانب الأفريقي.. بينما تعلو أصوات قيادات في أوساط البربر في الجزائر تنادي بانفصالهم عن العرب فيها لتكون لهم «دولتهم»!
فأما في المشرق العربي، فقد تجاوز الأمر الأحاديث إلى بروز مشاريع سياسية تحمل الشعار الديني وتنادي بالخلافة في دولة مبتدعة تجمع «العراق وبلاد الشام».. أوليس هذا هو المضمون السياسي لدعوة «داعش»؟
بالمقابل، تعلو أصوات منادية بإعادة تقسيم اليمن على قاعدة طائفية ـــ قبلية، لا سيما بعد «انتفاضة الحوثيين»، وارتفاع أصوات «الجنوبيين» الذي جدد الحنين إلى ماضي «السلطنات» عبر تقسيم المقسم واستقلال المحافظات والأقاليم في «دول» بحيث يصير اليمن عشر دول أو أكثر.
أما الوجه الآخر للصورة فيعكس تعاظم القلق عند القادة والمسؤولين عن الأمن في دول الجزيرة والخليج، التي يجمعها «اتحاد» ما زالت تتعثر ولادته الكاملة كجسم سياسي ـــ اقتصادي تشد كيانه روابط القربى والمصالح، وتباعد بين أطرافه الطموحات الشخصية المرتكزة الى قواعد قبلية وعشائرية.
تكفي مجريات الحوادث في البحرين لتجسم حجم هذا القلق مقابل الشعور بالأمان الذي كان يفترض أن ينشره «مجلس التعاون الخليجي»، الذي يضم في عضويته بعض أغنى دول العالم، لا سيما إذا قورن حجم الثروة بأعداد «المواطنين» فيها. ومعروف أن بين أسباب تفاقم الخلاف بين قطر والبحرين، على سبيل المثال، أن كلاً من السلطتين في هاتين الدولتين الصغيرتين جداً تتهم الأخرى بأنها «تشتري» مواطنين من بدو سوريا والعراق، بينما «تستأجر» تحت عنوان التدريب، بعض ضباط الجيش الأردني.. وكثيراً ما وصلت حدود «الشراء» أو «الاستئجار» إلى بعض أنحاء الباكستان وأفغانستان، بوهم أن جامع الدين هو مصدر الحماية.
إلى أين من هنا؟
وكيف ومتى ينتهي الاضطراب السياسي ـــ الأمني في العديد من الأقطار العربية، والذي يهدد في حالات عديدة الكيانات السياسية القائمة... وبعضها بدأ يفقد، بالفعل، صورة «الدولة»، وبالتحديد كجامع وموحد لمختلف فئات الشعب على قاعدة توافق وطني بين مسلّماته البديهية وحدة الهوية، كعنوان لوحدة المصير في عالم مضطرب؟
المؤكد أن ملايين العرب، في أقطار عديدة من بلادهم الواسعة، يعيشون قلقاً ممضاً على المستقبل، وهم يموتون ألف مرة في اليوم نتيجة الخوف على حياتهم ومصير أجيالهم الآتية في ظل هواجس الحرب الأهلية التي تهب رياحها عاتية على بلادهم منذرة بسوء المصير، ولا أسباب للحماية وتجاوز العاصفة.
هل هو التاريخ يعيد نفسه، وينساق العرب ـــ مرغمين بقوة العجز ـــ إلى مستعمريهم القدامى طالبين منهم العودة بجيوش احتلالهم، وإعادة رسم خرائط جديدة لبلادهم؟
إن تجربة المواجهة مع «داعش» في العراق أساساً، وقبله ومعه في سوريا، تنذر بوجود مشروع لإعادة صياغة هذين الكيانين السياسيين، خصوصاً مع زهو الأكراد ومفاخرتهم بأنهم ـــ وحدهم ومن دون الدولة العراقية، بل ومن خارجها إلى حد كبير ـــ قد استطاعوا الانتصار على «داعش».
وقد بات اسم «داعش» مرجعية سياسية لدعوات انفصالية كثيرة تتردد في أكثر من قطر عربي. ولا ينفع أن يزعم أي مسؤول عربي أن بلاده بعيدة أو محصنة أو محمية جداً بثروتها والمستفيدين الكبار في العالم من هذه الثروة!
من هو المعني بحماية المستقبل العربي الذي ينذر الحاضر بأن يعيد هذه الأمة قرناً أو يزيد إلى الخلف... حتى لا نقول: إلى الاندثار؟!

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين اجتياح داعش وطلب الاستعمار مجدداً العرب يرجعون إلى ما قبل الدولة بين اجتياح داعش وطلب الاستعمار مجدداً العرب يرجعون إلى ما قبل الدولة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab