إيران أوّلاً الجوع قبل الايديولوجيا

إيران أوّلاً: الجوع قبل الايديولوجيا

إيران أوّلاً: الجوع قبل الايديولوجيا

 عمان اليوم -

إيران أوّلاً الجوع قبل الايديولوجيا

علي الأمين

ما كانت القيادة الايرانية لتوافق على الاتفاق الاطار المتعلق بملفها النووي مع دول ال(5+1) ، لو أنّها كانت قادرة على تحمل تبعات الاستمرار في تنفيذ برنامجها النوّوي بمعزل عن الرقابة الدولية. لذا يقول الاتفاق مجازاً، في المبدأ، إن كلفة تشريع برنامج ايران النووي ولو بشروط "رقابية قاسية وخطيرة" (كما وصفها حسين شريعتمداري، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي) فهي تبقى أقل كلفة من تبعات إدارة إيران ظهرها للعالم والسير ببرنامجها النووي بشكل منفرد.

الذهاب الى الاتفاق مع "الغرب"، بحسب التسمية التي تتبناها الايديولوجيا الاسلامية الحاكمة في ايران لتشير إلى الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها الاوروبيين، هو تعبير عن قرار إيراني استراتيجي بالانتقال، الايديولوجي اولاً والسياسي ثانيا، من مرحلة العداء لهذا الغرب إلى مرحلة فتح باب التعاون بما يخدم المصالح الايرانية. ايّ أنّ الاتفاق الايراني مع هذه الدول لم يلحظ أيّ عنوان يتصل بمفهوم "الأمة الاسلامية"، الذي كان من أسس بناء القيادة الثورية الايرانية لمفهوم العداء للغرب.

واذا أردنا أن نفهم الأسباب التي دفعت "ولي أمر المسلمين" (كما وصف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير موقع المرشد الأعلى للثورة الايرانية السيّد علي الخامنئي بالنسبة إلى المسلمين) الى عدم لحظ أيّ إشارة إلى الأمة الاسلامية وموقعها من هذا الاتفاق ونتائجه السياسية، فربما لاقتناع القيادة الإيرانية بأنّ ما يتحقّق للجمهورية الاسلامية من مصلحة هو مصلحة ضمنية للأمة الاسلامية. هذه النظرية الايديولوجية التي كان الاتحاد السوفياتي سبّاقاً في تبنيها والترويج لها بين شيوعيي العالم الثالث حين كان يقول إنّ قوّة الشيوعيين هي من قوّة الاتحاد السوفياتي. كذلك فإنّ قيادة ولاية الفقيه في ايران تؤكّد أنّه من واجب أتباعها في العالم الالتزام بأولوية حفظ الجمهورية الاسلامية ونظامها في إيران. وذلك على اعتبار أنّ حفظهما، بحسب هذه الايديولوجيا، هو حفظ ل"الإسلام المحمّدي الاصيل" وحفظ للمسلمين عموماً. وهذه أولوية تتقدم في الاعتبار الديني الايديولوجي على مقتضيات الانتماء الوطني او القومي لأيّ فرد منضوٍ في منظومة ولاية الفقيه.

لكن بعيداً عن الايديولوجيا وتفسيراتها ومأزقها مع المجتمع الايراني اليوم، فأن تعقد القيادة الإيرانية صفقة نووية مع "الغرب" هو في البدء إقرار ايراني بالعجز عن الاستمرار كنظام سياسي ودولة اقليمية كبرى في الصمود طويلاً تحت سيف العقوبات الدولية والغربية. وهو إقرّار بطيّ سياسة الاكتفاء الذاتي التي لطالما قالت إيران إنّها قادرة على تبنيها. كما كانت تقول إنّها منهمكة في تقديم النموذج الإسلامي في الاقتصاد والتنمية كنموذج تنموي متقدّم وبديل عن الرأسمالية والاشتراكية. فعندما يكون هاجس القيادة الايرانية ومطلبها الأوّل رفع العقوبات التي فرضها عليها أعداؤها الايديولوجيون، فهذا دليل على أنّ هذه القيادة أدركت أنّ الأزمات المالية والاقتصادية المتفاقمة التي تعانيها الأمة الايرانية لا يمكن معالجتها في ظلّ القطيعة مع الغرب، ولا بدّ من استدراج شركاته للاستثمار في ايران، وفتح آفاق التعاون الاقتصادي معه... وباختصار لا بدّ من الدخول في آليات العولمة والعمل بأدواتها.

لم يحقّق التمدّد الإيراني في محيطه، أو على امتداد الدول العربية، بحبوحة مالية للمجتمع الإيراني. ولم تترجم الفتوحات الفارسية ولا الأناشيد التي تغنّى بها المسؤولون الايرانيون أمام الشعب الإيراني فرص تقليص الأزمات الاقتصادية. ولم يوفر النفوذ الايراني حصانة للعملة الإيرانية من الهبوط، ولا أدّى إلى رفع أسعار النفط الذي لا يزال يشكّل المصدر الاساس للموارد المالية الإيرانية. لذا يمكن فهم كيف اندفع الشعب الايراني إلى تأييد الاتفاق النووي، وكيف احتفى بوزير خارجيته محمد جواد ظريف الذي قاد الوفد الإيراني المفاوض، فيما كان ظريف نفسه يتعرّض قبل شهرين إلى مساءلة من قبل أكثر من 100 عضو في البرلمان الإيراني بسبب تبادل الابتسامات بينه وبين وزير الخارجية الأميركي جون كيري. اليوم ها هو الشعب الايراني يصفّق للاتفاق النووي ويصفّق بقوّة وبحماسة لرفع العقوبات وللأفق الجديد في علاقة حكومته بـ"الغرب".

شعار "إيران أولاً" فرض فتح العلاقة مع الغرب، وهو بالضرورة سيُلزم القرار السياسي في إيران بالبحث عن خيارات تتطلّب بالدرجة الأولى استقطاب الاستثمارات العربية والخليجية. لذا في إيران اليوم سباق بين تيارين، الاوّل يريد تحقيق مكاسب النفوذ الايراني بتسوية تتيح استفادة إيران اقتصادياً، سواء برفع أسعار النفط أو بجذب الاستثمارات الخليجية وغيرها من التحديات والأفق، وتيار آخر يدرك أنّ الانفتاح على الغرب وعلى العرب سيضيّق من هامش نفوذه في السلطة الإيرانية وينقله من مشروع ايديولوجي بحت إلى قوّة عسكرية في خدمة السياسة الايرانية وأولوياتها الاقتصادية الجديدة. ولا نعرف كيف سيتصرّف.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران أوّلاً الجوع قبل الايديولوجيا إيران أوّلاً الجوع قبل الايديولوجيا



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab