علي الأمين
التحرك الذي انطلق من أوساط المجتمع المدني عبر حملة "طلعت ريحتكم" في مشهده الحاشد مساء السبت هو تحرك مشروع، بل واجب، في مواجهة سلطة تستهين بأبسط حقوق المواطن، الا وهي معالجة ازمة النفايات المتفاقمة منذ نحو شهر ونصف الشهر.
تحرك المواطنين كان عفويا، واستجاب لدعوة الحملة المذكورة، وبالتأكيد شارك محازبون من مختلف التيارات من دون ان تعني هذه المشاركة انّ مطلقي الحملة تحركوا بناءً على ايعاز سياسي او حزبي.
على أنّ إدراج منظمي التحرك في المجتمع المدني مطلب "إسقاط الحكومة" في أعلى سلّم مطالبهم كشف أنّهم ليسوا أقلّ عفوية من معظم الجمهور الذي تدفّق إلى ساحة رياض الصلح مساء السبت، وأظهر أنّ التحرك فشّة خلق. ذلك أنّ المجتمع المدني يجب أن يعلم قبل غيره أنّ الحكومة مستقيلة فعلاً، والاستقالة الرسمية لن تغير شيئاَ، بل ستبقيها في وضعية تصريف الأعمال كما هو حالها اليوم. فما هي الحكمة من الدعوة إلى استقالة الحكومة. وبالتالي يمكن القول إنّ بناء المطالب على السلب، يعكس غياب برنامج إنقاذي واضح لإنقاذ البلد، وهو واجب على المجتمع المدني أن يصل الى بلورته والسير فيه.
وكي لا يكون هذا التحرك مجرد فشّة خلق، يجب الاشارة إلى أنّ المجتمع أو الشعب لا يتحرك عفوياً، بل تنظّمه هيئات اجتماعية أو نقابية وأحزاب، وبالتالي ثمة مسؤولية تقع على كاهل المجتمع المدني لتنظيم التحركات ووضع خطة تحرّك تمنع القوى السياسية والحزبية الموجودة في الحكومة من أن تستثمر حراكهم. يجب منع السلطة وأحزابها من تجيير الحراك في سبيل تحقيق مكاسب ضمن صراعاتها الضيقة داخل السلطة.
وكي لا تبقى هذه التحركات عائمة على سطح المجتمع لا بدّ من الإقرار بداية أنّ المجتمع المدني لم يزل ضعيفاً في لبنان، وأنّ المجتمع اللبناني يستجيب للخطاب الطائفي وقضاياه اكثر من استجابته، وإن للحظات، إلى القضايا الوطنية التي تبدو عابرة، كما هو الحال في حملة "طلعة ريحتكم".
ضعف المجتمع المدني له أسبابه الذاتية ايضاً. ولم تزل العفوية هي التي تحركه، هذا إذا أحسنّا النوايا، ويجب ألا يقع في براثن محترفي السياسة واللعبة الطائفية. إذ أن أيّ تغيير ايجابي في الدولة يتطلّب مزيداً من قوّة حضور المجتمع المدني. لكنّ "الشللية" هي التي تحكمه اليوم، وغياب الرؤية والمشروع المشتركين للانقاذ هي مؤشر على الضعف والشللية.
الجهد الذي يبذله المتصدّون لقيادة المجتمع المدني، من خلال الاستعراض في الشارع والتنطّح للإطلالات الإعلامية، وهذا التشتّت في تحديد الأهداف والمطالب، مع غياب الإجابة على سؤال: ماذا نفعل غداً... كلّ هذا يجب أن يدفع هؤلاء وغيرهم إلى الانخراط في مشروع بلورة خطة إنقاذية. والمجتمع المدني معنيّ بأن يتبنّاها كقضية نضالية، وذلك في مواجهة السلطة الطائفية من جهة، ولإقناع المجتمع والمواطنين عموماً بأنّ هناك قوّةً يمكن أن تشكّل فرصة تغيير إيجابي في البلد.
الاستفادة من تحركات المجتمع المدني، خلال العقدين الماضيين على الأقل، يجب أن تجعل المتصدّين لمهمة تأسيس مجال وطني عام ضاغط من اجل التغيير، يدركون أنّ الرؤية السياسية ليست هامشاً في المجتمع المدني. ويجب أن يعرفوا أنّ التغيير يتطلب الخروج من الحالة الشعبوية والانفعالية إلى برامج وأطر واضحة المعالم. لا أن تكون تحرّكاتهم مجرّد ردود أفعال أو فشّة خلق. فعندما استقال رئيس الحكومة عمر كرامي إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فهو استقال نتيجة غضب لبناني عام، لكنّ الأهم بالنسبة إليه كان غضب طائفته من استباحة دم أكبر زعمائها. هو استجاب لغضب الطائفة فاستقال. تمام سلام اوغيره من الوزراء لن يستقيل رغم تهديده بالاستقالة لأنّه ببساطة ليس هناك غضب من طائفته من بقائه في السلطة.
السؤال هو للمجتمع المدني ولحملة "طلعت ريحتكم": ماذا أنتم فاعلون وكيف تمنعون هذا التحرك المهم في الشارع من الفشل أو الاحباط أمام غيلان السياسة والطائفية الذين لن يسمحوا لكم بمشاركتهم في القرار السياسي؟
يجب منع الأحزاب السياسية في السلطة من اختراق التحرّك واستثمار عفوية المتظاهرين. الهدف الأهمّ هو بناء مجتمع مدني متماسك ومنسجم أكثر من مجرّد تحرّك من هنا أو هناك. يجب أن تنخرطوا في ورشة وطنية تبلور رؤية وطنية للإنقاذ بعدما تخلّت أحزاب السلطة عن هذه المهمة.
"طلعت ريحتكم" خطوة لكن لا تدعوا الأحزاب السياسية تسرق جهودكم وتجيّرها لتأبيد الطائفية والمحاصصة وإعلاء ثقافة الخروج على الدستور وعلى القانون.