علي الأمين
الزبداني، تلك المدينة التي يعرفها السوريون كمركز اصطياف يقصده بعض أبناء دمشق في فصل الصيف، ويعرفه اللبنانيون جيدا. الزبداني التي لطالما كان شعراء العرب من مصر والعراق وغيرهما ينشدونها صيفا ويتنقلون بين وادي العرايش والبردوني في زحلة وتلال الزبداني وينابيعها. الزبداني هذه بلدة كان يعتاش أهلها من مورد الاصطياف، ولهم فيها بساتين بزراعات صيفية اشتهرت بها المناطق السهلية والمنحدرات المحيطة بها. ما تبقى من هؤلاء الاهل يحملون سلاح الدفاع عن انفسهم. هي في هذا المعنى مدينة اهلها، لا غرباء فيها ولا تنظيمات متقاتلة. ليست قلعة عصية على الدخول. بل هي مدينة محاصرة وسكانها هم الاهل الذين يميلون الى عدم التورط في مواجهات عسكرية مع الجيش السوري او مع حزب الله، محاولين عدم التنازل عن المدينة لصالح الأخيرين في وجه معارضيهم. واهل الزبداني رالطبع من اول الذين خرجوا على النظام وثاروا في العام 2011.
اليوم يدك جيش الأسد الزبداني بالبراميل ويقصفها حزب الله بالصواريخ. كما جرى استهدافها بقصف عنيف منذ مساء الخميس الماضي من دون توقف. الجيش السوري وحزب الله يستعدان لدخولها بعد تدمير العديد من المنشآت السكنية والسياحية والاقتصادية فيها. مسألة دخولهماليست بعيدة ولن تكون مفاجئة. كما أنها لن تغير في المعادلة العسكرية بالقلمون. فبحسب مصادر معارضة في سورية لن يكون صعبا الدخول الى الزبداني المحاصرة من كل الجهات والتي تقصف بالبراميل وبمدفعية حزب الله. بل ربما سيتفادى المقاتلون البقاء في المدينة منعا لتدميرها بالكامل من قبل المهاجمين.
الى ذلك تشير المصادر نفسها، والمعنية بمعركة القلمون المستمرة، ان المعارضة بمختلف فصائلها ليست قوتها في القتال داخل المدن، بل معظم معارك المدن والبلدات في القلمون انتصر فيها حزب الله والجيش السوري. ولذلك يمكن ان ينتصر في القلمون بالكثافة النيرانية والقوة التدميرية التي يمتلكها كلا الطرفين: الجيش النظامي وحزب الله. لكنها قوة تستطيع ان تحتل وان تمتد وبعدها تبقى عاجزة عن السيطرة والتحكم والصمود في مواقعها الجديدة.
“هي حرب عصابات وحرب استنزاف لن تتوقف قبل سقوط النظام السوري”، تقول مصادر معارضة في القلمون، وتضيف: “بهذا المعنى فإن السيطرة على المدينة لن تغير في مسار المواجهة، ولا تعني اي تغيير في موازين القوى بالمعنى الاستراتيجي. ولكن لماذا اصرار حزب الله على خوض معركة القلمون؟”.
ترجح المصادر المتابعة في مقلب المعارضة السورية أن سبب الاصرار على احتلالها هو انسداد افق حزب الله لحسم المعركة في القلمون وفي جرود عرسال. وما عبر عنه الامين العام لحزب الله مع بدء هجوم حزبه في جرود عرسال، ان لا افق زمنيا لهذه المعركة، يشير الى ان المعركة طويلة والنصر فيها ليس قريبا. لذا تأتي معركة الزبداني في سياق البحث عن انتصار، وان كان لا يغير في موازين القوى والمواجهات.
كما أن جمهور حزب الله بحاجة لانتصار. والسيد نصر الله الذي سيخرج على جمهوره في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان، في ما اصطلح على أنه “يوم القدس”، قبل نهاية الاسبوع الجاري، ربما يحتاج الى انجاز عسكري يقدمه الى جمهور في الطريق نحو “تحرير القدس”. ولا شك أن سيطرة حزب الله على هذه المدينة، بعد طرد ابنائها من مقاتلي المعارضة ضد النظام السوري، يشكل خطوة مهمة في الطريق الى تحرير القدس الشريف.
إذا معركة الزبداني، في حساباتها وتوقيتها، لها اهداف تتصل بتأكيد انتصارات حزب الله في سورية. خصوصا ان زمن الانتصارات لم يعد على الوتيرة والألق نفسهما، اللذين عوّد حزب الله جمهوره عليهما. ذلك ان هناك احساس يتفاقم بأن هذه الوتيرة تراجعت. وهناك خوف من ان تتوقف.
لذا يمكن ان توفر معركة الزبداني، وانتصار حزب الله الممكن فيها. ويكون بذلك السيد حسن نصرالله قد انجز نصرا جديدا يلبي وعد النصر المتجدد لأنصاره: “كما وعدتكم بالنصر دائما اعدكم بالنصر مجددا”. نصر في شهر رمضان على تلال الزبداني في الطريق نحو القدس.