على الأمين
شيء ما يتغير في سورية. ليس صمود المعارضة في وجه هجمات قوات النظام السوري وحلفائه من الايرانيين وحزب الله، بل اندفاعة قوية لقوى المعارضة تترجم تقدماً ميدانياً في اكثر من منطقة. ما يعكس تطورا نوعياً في الاداء العسكري لقوى المعارضة المسلحة. المتغيّر السياسي هو بالضرورة عنصر دولي دخل بقوة على معادلة تنظيم صفوف هذه المعارضة، في مقابل بروز مقومات انهيار وتفكك داخل المؤسسة العسكرية السورية.
سورية اليوم تتقدم المشهد الاقليمي، تتقدم احداث اليمن، وتعيد المشهد العراقي الى الخلف. تساقط العديد من المناطق من يد الجيش الاسدي، من دون معارك عنيفة، من إدلب الى جسر الشغور، وامتدادا الى حماه، فضلا عن مناطق في الجنوب السوري، كلها مؤشرات تدل على ان الصورة تنقلب في سورية. ومعركة القلمون التي روّج حزب الله أنها ستبدأ بعد ذوبان الثلج بيدو أنها باتت طيّ النسيان. فإزاء معطى استراتيجي يكشف تقهقر قوات النظام السوري في كل المعارك التي خاضها منذ اكثر من شهر حتى اليوم، تفقد اخبار الاستعداد لمعركة القلمون معناها.
المتغير الاقليمي والدولي هو ان تركيا دخلت فعليا على خط تعديل موازين القوى داخل سورية ومن دون اعلان رسمي. هذه المرة بضوء اخضر اميركي وبتعاون قطري بالدرجة الاولى وسعودي بطريقة غير مباشرة. فكما كانت التناقضات والتمايزات بين هذه الدول في مقاربة الثورة السورية سببا من اسباب انتكاسات المعارضة، يكشف انحسارها او تراجع التباينات اليوم تأثيره النوعي على اداء المعارضة العسكري. وثمة جانب تنظيمي وادارة في عملية توحيد فصائل المعارضة لا ينظر اليه الخبراء الا باعتباره عملا بإشراف وادارة تركية بالدرجة الاولى. وهو يعبر عن موقف اميركي مستجد في الشأن السوري. إذ اطالما كانت الادارة الاميركية تلجم التدخل التركي وتحول دون دخوله بقوة في المعادلة السورية.
ويكشف تقدم المعارضة، الى جانب تضعضع المؤسسة العسكرية السورية النظامية، انكشاف محدودية قدرة ايران على الفعل في الداخل السوري. فإيران نجحت في استثمار التباين والتناقض التركي العربي حيناً، والتباين بين السعودية والاخوان المسلمين حينا آخر، من أجل التقدم في الميدان السوري والعربي عموما. اليوم ثمة عمل على مصالحة بين النظام المصري وحركة حماس، في موازاة مصالحة تاريخية بين السعودية والاخوان. كل هذا انعكس ايجابا على الدور التركي في سورية، كما انعكس انكفاء ايرانياً، ليس الى الحدّ الذي نتحدث بعده عن هزيمة ايرانية في المنطقة العربية. لكن المؤشرات تدل على أن التمدد الايراني يتجه نحو الانكفاء. هذا ما يؤكده المشهد العراقي الذي خلص الى فشل ذريع لتجربة حكم رعته ايران ووصل الى مأزق، وجعل من الحكومة العراقية تتمسك بالاميركيين. وفي اليمن لم تنتصر السعودية لكن إيران خسرت في هذا البلد أيضا.
التمدد الايراني أرهق ايران ايضاً. الأزمة السورية ساهمت في اظهار المشروع الايراني في المنطقة العربية على أنه يرتكز على نظام بشار الاسد باعتباره اهم اعمدة هذا النفوذ في العالم العربي. وهو انتهى الى الانزواء ضمن كتلة علوية. وهذا بحدّ ذاته فضيحة لمشروع الثورة الاسلامية الايرانية. التمدد الايراني وقع في فخ اغواء الفراغ العربي، كما حصل مع حزب الله عندما شعر ان صموده في حرب تموز 2006 جعله قوة أكبر من لبنان. وهذا الإغراء بالقوة والتفوق على الوطن والدولة والمجتمع يؤكد للذين وقعوا في فخه على ان الحقائق الموضوعية عندما تفرض نفسها تتفوق على الايديولوجيا. فالايديولوجيا دائما تكون تعويضا عن نقص موضوعي او عجز، وفيها شيء من النرجسية، التي تساعد صاحبها على بناء الواقع وفق مايشتهي لا وفق المعطيات الموضوعية لا وفق الرغبات.
التغيير في موازين القوى داخل سورية يدفع الامور نحو مساحة جديدة، وإن من المبكر الحديث عن المآلات التي ستصل اليها الموازين الجديدة. لكن الثابت ان الزخم الذي كشفت عنه حركة المعارضة العسكرية في الميدان يشير الى ان شيئاً جديدا بدأ يبرز في المقاربة الاقليمية والدولية في سورية. داعش باتت خارج معادلة المعارضة، بل عدو لها، فيما جبهة النصرة اكثر انسجاما مع السقف الدولي والاقليمي الذي يرعى المعارضة اليوم