علي الأمين
كل المؤشرات تدل على ان مسار المفاوضات حول الملف النووي الإيراني يسير في اتجاه الاتفاق: الخطاب الايراني في اعلى مستوياته، خصوصا على لسان المرشد علي خامنئي، الذي يدير عملية المفاوضات وعملية الاستيعاب الايديولوجي لهذا الاتفاق ضمن النظام الحاكم في ايران.
في الظاهر أنّ الملف النووي الايراني هو ملف واحد، لكن في العمق هناك مئات من الملفات الايرانية العالقة مع الدول الغربية والتي ربطها الغرب بإنجاز الاتفاق على الملف النووي. العقوبات الاقتصادية هي المفتاح الذي سيوفر اسقاطه التدريجي إقرارا تدريجيا بموقع إيران الاقليمي بعد الاعتراف بأن ايران دولة نووية، وإن بشروط قاسية.
نجاح التوقيع على الاتفاق النووي سينقل التحديات الايرانية من مرحلة الأولويات الامنية إلى مرحلة الأولويات السياسية. ذلك أنّه من دلالات الاتفاق النووي الضمان المتبادل للمصالح الدولية مع تلك الإيرانية. فقبول إيران بالشروط الدولية لعمليات تخصيب اليورانيوم، والتزامها المطالب الأميركية على هذا الصعيد، يضمن في المقابل قبولا إسرائيلياً بإيران نووية. لكن بالطبع تحت شروط دولية وأهمّها عدم التعدي على منشآت إيران النووية. أما الأهم من ذلك فهو أنّ الاتفاق النووي سيوفر للنظام الايراني شرعية دولية يحتاجها لتحصين موقعه في معادلة الحكم داخل إيران، من دون شعوره بمخاطر غربية وأمير كية على النظام.
أيران تجاوزت عقدة الجلوس والمصافحة العلنية والتعاون مع "الشيطان الأكبر"، ولم يعد التعاون مع واشنطن أمراً مرفوضا بالمطلق، على ما أفتى مؤسس الجمهورية الايرانية آية الله الخميني. فهذا الإرث الأيديولوجي هو ما يفسّر عدم قدرة النظام الإيراني على الخروج من اللغة الإيديولوجية التي تحكمه. إذ أنّه مفهوم لدى الأميركيين والغرب الاستماع إلى مرشد الثورة الإيرانية، على أبواب توقيعه الاتفاق، يمهّد بكلام عن "غطرسة الغرب" وما إلى ذلك. فهذه اللغة تفرضها طبيعة النظام الأيديولوجية. لكنّ واقع السياسة يقول إنّ إيران تطمح إلى فتح قنوات غربية إلى الاستثمار في ربوعها اقتصادياً ومالياً وخدماتياً، في مختلف وجوه التنمية الصناعية والتكنولوجية.
الاتفاق سيخفف من الهاجس الأمني للنظام الإيراني، وهذا بالضرورة سينعكس على الملفات الاقليمية التي ستعالج بأولوية سياسية أكثر منها أمنية. والحال هذه فإنّ إيران العاجزة عن حسم أيّ ملف لصالحها في مناطق نفوذها بالعالم العربي، ستكون أكثر قابلية لإيجاد تسويات سياسية.
في الشأن السوري جزم وكيل المرشد خامنئي في لبنان، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، خلال إطلالته الاخيرة بيوم القدس، أنّه غير قادر على الانتصار في سورية كما أنّ المعارضة السورية عاجزة أيضاً. أيّ أنّ الحديث عن الحسم لم يعد له وجود في الحساب الإيراني. ولا شك أنّ لجم الإدارة الاميركية لتمدّد المعارضة في الشمال والجنوب ترافق مع ضوء أخضر لـ"إزالة" الزبداني عن خارطة المعارضة، ضمن لعبة توازنات تحتاجها التسوية السياسية.
ورغم تكرار إيران وحزب الله اسم بشّار الاسد وحديثهما عن تمسّكهما به، إلا أنّ الطرفين يعلمان أن أيّ تسوية سياسية، مهما كانت قوّتها لصالح أحد الطرفين، لا يمكن أن يكون بشّار الأسد موجوداً فيها. رغم أنّ الأقليّة العلوية والأقليات الدينية تريد أن تلعب دوراً ضامناً في المعادلة السورية المرتقبة.
المهم أنّ الاتفاق النووي سيقدّم أولوية السياسة على حساب التحدي الأمني. وإسرائيل، التي أمّنت مطالبها إلى حدّ كبير في أي اتفاق دولي نووي مع إيران، باتت مطمئنة لوظيفة حزب الله الجديدة في المواجهة مع التنظيمات الاسلامية المتطرفة وفي الدفاع عن الأقليات في سورية ولبنان. وهذه وظيفة تطمئن إسرائيل إلى أمنها من قبل حزب الله. وإذا اعطى الأميركيون المزيد من الإشارات الإيجابية للعب دور في حماية الإقليات، فإنّ الأولوية ستكون لحزب الله بوجه التطرّف الداعشي.
داخلياً، في ما يخصّ تحرّك التيار الوطني الحر باتجاه الحكومة والسراي والشارع، من السيد نصرالله إلى الوزير محمد فنيش، كلّهم يتحدثون عن التهدئة بطريقة لافتة وتعكس حرصا على بقاء الحكومة. حتّى بدا ميشال عون وحده يغرّد. حتى حلفاؤه، من المردة والطشناق، لم يسايروه في تحرّكه. ربما يعكس تحرّك عون حالة التبعية العالية لحزب الله إلى درجة أنّه يتصرف كولد مدلّل عنده.
أما التسويات التي تطمح إليها إيران ويستنجد بها حزب الله فلأنها المخرج لهما من الاستنزاف السوري. وهي، إذا ما تمت في سورية، فلن تكون قادرة على حماية ما تبقّى من نفوذ إيراني في سورية إلا باستبعاد عائلة الأسد. وهو الثمن الوحيد الذي تستطيع أن تقدّمه إيران على طاولة التسوية. وميشال عون لن يكون أفضل حالاً في التسوية اللبنانية، التي تقترب، ويبدو أنّ مؤشّراتها أزعجت الجنرال.