علي الأمين
خطابان للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال 48 ساعة. واحد في ذكرى يوم الجريح يوم الجمعة والثاني في مناسبة عيد التحرير امس الاحد.
الأول كان مقتصرا حضوره على جمهور حزبي في احتفال مغلق، وجرى تسريب مضمونه بشكل شبه رسمي الى صحف قريبة من حزب الله، من دون ان يغيّر التوضيح الذي صدر عن اعلام حزب الله في مضمون الخطاب، سوى محاولة التخفبف من احراج الحلفاء من غير الشيعة امام كلام اتسم بطابع مذهبي، لم يعتد هؤلاء سماعه من السيد نصرالله من قبل.
الثاني كان امام الملأ، اي عبر الشاشات التي اعتاد ان يتوجه من خلالها الى جمهور لبناني وعربي، في مناسبة تشكل محطة اعلامية وسياسة يطلق من خلالها حزب الله وزعيمه مواقف تستعيد زخم مرحلة القتال مع الاحتلال الاسرائيلي، ليحاول تسييلها في سياق دعم خياراته السورية وفي المنطقة من اليمن الى العراق والبحرين وغيرها.
خطاب معلن وآخر غير معلن. في المعلن امس اكد السيد نصر الله، بعد حلف اليمين، ان حزب الله اليوم هو اقوى مما كان عليه في السابق، بل الاقوى بين كل المراحل التي مرّ بها منذ تأسيسه عام 1982 حتى تاريخ يوم امس. وفي خطاب استعراض القوة كان لا بدّ ان يؤكد على ان حزب الله موجود في كل مناطق القتال السورية دون استثناء، وهو قادر على ان يكون موجودا في ايّ مكان يجب ان يكون فيه لمواجهة التكفيريين. من سمع السيد نصرالله في الأمس يلمس ان حزب الله ليس قادرا على حماية لبنان فحسب، بل قادر على انهاء "جيش الفتح" وتنظيم داعش.
هذا المستوى من الثقة في خطاب التحرير لم يكن هو نفسه في خطاب "يوم الجريح". اذ كان مختلفا عن خطاب "رفع الصوت" حين قال: "هذه الحرب لو استشهد فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامه وعزة وشرف سيكون هذا الخيار الافضل. بل في هذه المعركه لو استشهد ثلاثة ارباعنا وبقي ربع بشرف وكرامه سيكون هذا افضل". هذه العبارة صدمت الجمهور، فالانتصار لم يعتقد احد انه يمكن ان يكون ثمنه بهذا التقدير. بل هل يظل انتصارا اذا كانت الخسائر بهذا الحجم؟
الخيارات السياسية ليست ابيض او اسود. هي فن وعلم وخبرات وتقديرات. وبالتالي فإن الرهانات الايديولوجية التي قدمها حزب الله لتبرير انخراطه في القتال دفاعا عن النظام السوري لا يمكن وصفها بأنها كانت صائبة. يعلم الجميع، وقالها السيد نصرالله، انه اخذ برأي المرشد الايراني حين دخل الى سورية. الاصوات الأخرى، التي وصفها السيد نصرالله بأنها "شيعة السفارة"، كانت تقول له ان خيار القتال في سورية سيغرقنا في فتن مذهبية، وسيجعل الشيعة ولبنان امام مخاطر وجودية. هذا قبل ثلاث سنوات واكثر. وها انت تؤكد وجهة نظرهم، حين تقدم لنا مشهدا انتحارياً. الخيار الانتحاري مطروح بحق الشيعة العرب وليس الايرانيين الذاهبين الى اتفاق يطوي نهائياً زمن الشيطان الأكبر. الايرانيون يحاربون عبر وكلائهم من دون ان يحشدوا جيوشهم. والاميركيون ايضا يقاتلون عبر وكلائهم. لماذا عندما تتمدد داعش بهذا الشكل في سورية، لا نجد طائرات ايرانية او فصائل الحرس الثوري في الميدان السوري؟ اذا كان التحالف الدولي غير جاد في القضاء على داعش، فهل يمكن القول ان ايران جادة في القضاء عليه؟
اذا كان الخطر الداعشي هو الاكبر، كما وصف السيد نصر الله، وهو صحيح، فهل كانت ردود ايران في مستوى التصدي لهذا الخطر الذي قد يؤدي الى خسارة نصفنا او ثلاثة ارباعنا كما قال السيد نصر الله؟
في خطاب التعبئة على وقع "الخطر الوجودي" طالب نصر الله العلماء، ويقصد علماء الشيعة، بالخروج عن صمتهم. علما انه هو لم يطلب مشورة احد حين قرر القتال في سورية. كان يكفي ان يسمع السيد الخامنئي ليستجيب. اما في لبنان فليس من احد يستحق ان يُستشار في هذا الشأن، لكنه اليوم يطالب العلماء بالخروج عن صمتهم ومن يخالف رأيه فهو خائن او عميل... اليس هكذا يحكم "داعش" ويفتي؟
في الايام الاخيرة خرج علينا السيد نصر الله بخطابين، واحد علني وآخر سرّي سربه الى الاعلام. وهذا يدل على ان حزب الله يعاني انفصاما حادا في الشخصية. شخصية متأكدة من هزيمتها بخسارة ثلاثة ارباع شبابها، وأخرى متأكدة من انتصارها. واحدة تواجه الجمهور، واخرى تخجل منه ومما تقوله ومما اقحمت الجمهور به.
حزب الله بات يخجل من حقيقته، ومن تهديداته، ومن حشره الشيعة في التابوت السوري.
حزب الله بات يخجل من مواقفه. ومن وصفهم بأنهم "شيعة السفارة" لا يخجلون من مواقفهم. وهذا وحده كاف.