عادل بيــك

عادل بيــك!

عادل بيــك!

 عمان اليوم -

عادل بيــك

حسن البطل

لبعض البشر وجه حيوان. وجوه بعض النساء كوجوه البسس؛ وبعض الرجال كوجوه النمر.. غير أن وجه عادل (بيك) له وجه النّمر إذا كشّر.. ووجه القط إذا استكان.
النمر يكشّر إذا غضب، وأما تكشيرة مدير "مدرسة سيف الدولة الابتدائية الريفية للبنين" فهي أشبه بتكشيرة القرف، خاصة إذا تطاير نثار الطبشور الأبيض عن اللوح الأسود.. عندما يمسحه تلميذ، بأمر من المدير.
المدير كبير المعلمين، عادة، لكنه المعلم الأكبر للصف الخامس الابتدائي، وبه كانت تنتهي مرحلة تلمذة وتبدأ مرحلة.. وبه يبدأ عادل (بيك) سباقه القاسي، الشرس، والمحموم مع غريمه مدير "مدرسة غازي الأول للبنين".
لا يجوز، في عرف المدير - النمر أن ينجح عدد من تلاميذ المدير الغريم أكثر من عدد تلاميذه في شهادة - الشهادة (السرتفيكا)، وبخاصة في مادة الحساب.
لو كان المدير عادل (بيك) الحرستاني في مكان الجنرال دان حالوتس الإسرائيلي، لكان الصف الخامس هو سرية رئاسة الأركان (سيرييت ميتكال)، أو كتيبة "شيلداغ" أو كتيبة "أغوز".. ولكان الصف الخامس هو "سلاح الجو" في مدرسة سيف الدولة الريفية للبنين، علماً أن "الريفية" تعني مدرسة نصف - زراعية، أي ما يشبه "الكيبوتس" أو "الموشاف" الإسرائيلي.
في الصف الرابع، لم أكن أكره مادة الحساب، وفي الصف الخامس صرتُ أمقتها، لأن معلم المادة هو مدير المدرسة، ولأن عادل بيك مهووس بالتفوق على عسكر مدرسة غازي الأول في هذه المادة بالذات. لماذا؟ لأنها كانت الأصعب قبل إدخال "الرياضيات الحديثة" حتى الى الصف الأول الابتدائي.
أهلكنا عادل (بيك) بما يبدو لي، الآن، عويصاً مثل نظرية ألبرت أينشتاين في "النسبية". خزان ماء (كان لدى المدرسة خزان ماء، بئر ماء، ومحرك على بئر الماء.. لأنها مدرسة زراعية).. خزان ماء سعته كذا متراً مكعباً، يصب فيه صنبور قطره كذا، يملأ الخزان في كذا ساعة. في أسفل الخزان صنبور تصريف قطره كذا.. فإذا تدفق صنبورا الصب والتصريف معاً، فبعد كم ساعة يمتلئ الخزان.
صارت رؤوسنا هي "خزان" هذه العملية الحسابية، ومع اقتراب النصف الثاني من السنة الدراسية، ألغى عادل (بيك) حصة الرياضة البدنية، ثم ألغى حصة الرسم والأشغال (الورقية الملونة)... وأخيراً، لعن أبانا عندما ألغى حصص مادة الزراعة الأسبوعية الثلاث.. واستبدلها، جميعاً، بحصص حسابية.
انقهر معي (معنا) معلم الزراعة أديب النحوي، وكان فلسطينياً - لاجئاً ترشيحاوياً، كما كان معلماً للعربية أيضاً. نكون في حقل المدرسة مشوبين، نعمل مصاطب وأثلاماً بالمسحاة و"الكريك"، أو نشتل الخس، أو نزرع حبات البازيلاء والفول.. فإذا به يقف على درج الطبقة الثانية، مصفقاً بيديه.. صارخاً (كما يصرخ الضابط بعسكره في طابور الصباح) قائلاً: "خامس ع الصف.. خامس على الصف"! ندخل الصف وَسِخين، مغبرّين، عرقانين.. عايفين (مثل حال جنود حالوتس العائدين من "حزب الله - لاند").. ولكن لا راحة من مكعب ماء هذا المدير ومن صنبوريه.
من الصف الأول حتى الرابع، كانت هيبة المدير عادل (بيك) في غرفة مدير المدرسة، أو بالذات، في تلك "النشافة" على طاولته. نشافة لها شكل حز "بطيخ" المتأرجح، لكن صفحة وجهها ملأى بأنواع الأحبار وألوانها، بما يشكّل "لوحة سريالية داليدية، ولوحات مرحلة التبقيع". لم أكن أنظر في حضرته الى وجهه خوفاً أو خجلاً (لا يستدعيك المدير إلاّ ليوقع عليك عقوبة تليق بالشيطنة.. وكنت شيطاناً معجّزاً).. فأروح أتأمل نشافته الأنيقة - المتأرجحة، حتى صرتُ عاشقاً (على كبر) للفن السريالي الحديث.
أعرف لماذا اعتبرني عادل (بيك) عريف أولاد اللاجئين. كنت "زعيم عصابة النهر" بحكم السن لا غير، فكنت مسؤولاً أمام حضرة المدير حتى عن حمار أو قطيع خراف نهش مساكب الخس. وقعت الواقعة بين المدير وأولاد اللاجئين، عندما اجتاح تراكتور قسماً من أسلاك حقل المدرسة.. وحطم عشرات الأوتاد الحديدية ذات الزاوية القائمة.
كان أبي رجلاً "معضّلا"، لم يحتمل "تكشيرة القرف" في وجه المدير، الذي أصرّ على آبائنا شغل سخرة لإصلاح السلك الشائك. قال أبي للمدير: حتى أنا لا أستطيع "لوي" الوتد.. فكيف بالأولاد؟! أمسك مصباح (أبي) بتلابيب المدير.. وكاد يرفعه.. أو كاد يضربه.
من يوم تلك الواقعة لم يعد أولاد المدرسة يغنون في باص الرحلات:
رحنا البحر وجينا
ما حدا استرجى يحاكينا ..
وعادل بيك حامينا.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عادل بيــك عادل بيــك



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab