بقلم _ حسن البطل
هرب «الأمير الصغير» من مشاكل الأرض الكثيرة، فوجد مشاكلها موزعة على كل كويكب زاره. ما ان حطّ على احد الكويكبات، حتى انتهره ملك يقعي على عرش في «قطب» كويكبه، بينما تصل أطراف ثوبه القشيب «القطب» الآخر صرخ به الملك:
- لا تدوسُ الرعية أطراف ثوب ملكها. قدّم واجب الطاعة أولاً، ثم قف كما تقف الرعية بين ايدي الملوك.
كان الملك المتوحد على كويكبه الضئيل فخوراً في قرارة نفسه، فقد صار لديه رعية من مواطن واحد صغير، كان ملك الكويكب مشغولاً في عدّ كواكب قصية لامعة تبدو أصغر من عرشه.
- « لماذا تعدها يا صاحب الجلالة" ؟ سأل «الأمير الصغير» بكل أدب.
- لأنني ملك، والملوك يحكمون لأنهم يملكون، قال الملك الطاعن في السن.
- ولكنني زرت بعض ما تدعوه «أملاكك» في طريقي الى مملكتك، انها اكبر كثيراً من كوكبك الذي لا يسع عرشك، ولديهم ملوكهم.. ورعاياهم، الذين لا يعلقون صورتك في بيوتهم.
* * *
غادر «الأمير الصغير» الى كويكب أكبر قليلاً، وجد رجل أعمال واحداً لم يرد تحيته، فكان منصرفاً الى عدّ أمواله، كرر التحية مرتين وثلاثاً، رفع المليونير رأسه في ريبة ورد التحية بهزة من رأسه.. وعاد الى عدّ أمواله، ليرى كم يستطيع ان يشتري من كويكبات السماء اللامعة.
* * *
على كوكب ثالث أكبر قليلاً من سابقيه صادف «الأمير الصغير» رجلاً واحداً يحمل شعلة ويركض بين فانوسين، رد على التحية وهو يجري: يشعل الفانوس الأول، ويطفئ الثاني، لأن النهار والليل يتعاقبان بسرعة كبيرة على هذا الكويكب الصغير.
* * *
غادر «الأمير الصغير» حزيناً كويكباً لا مجال لساكنه الأشيب الوحيد ليجد وقتاً ليتجاذب أطراف الحديث مع زائر لم يحظ بمثله منذ أن كان شاباً.
.. كما غادر كويكب المليونير، الذي لا يجد مكاناً لخزائن نقوده.
.. كما غادر كويكب الملك الذي لا يسع عدداً من الرعية قادراً على حمل عرش الملك من قطب الى قطب ليرى شروق الشمس وغروبها.
* * *
بعد طول بحث عن كوكب صغير جداً للأمير الصغير، لا يوجد فيه ملوك، او رجال أعمال، او عمال لا ينامون لأنهم يضيئون الوقت ليطفئوه.
.. وصل «الأمير الصغير» الى كويكب خالٍ من البشر ومشاكلهم: ملوكاً، او متمولين، او كادحين للملوك والمتمولين، كان في الكويكب حمل واحد أبيض وجميل، ووردة واحدة حمراء وصغيرة. يريد الخاروف ان يأكل الوردة ليسد رمقه، والوردة تريد ان تنمو، وتملأ الكويكب.. صار الأمير الصغير وسيط خير بين حاجة الخاروف ليأكل ويعيش وحاجة الوردة لتنمو وتتكاثر، فيأتي النحل، ويصنع من رحيقها عسلاً فاخراً، يليق طعاماً بأمير صغير نبيل حامي الوردة من أسنان الخاروف.
فكّر «الأمير الصغير» أن عليه تنصيب نفسه ملكاً على كويكب الخاروف الأبيض والوردة الحمراء، وبذلك يصير غنياً من تصدير العسل الى كويكبات أُخرى، بعد ذلك عليه ان يعدّ أمواله، ويوظف عمالاً في مملكته لجناية العسل، وإطعام الحمل من ورق الورد.
اكتشف «الأمير الصغير» انه إذا أراد خلق حالة سلام بين الحمل والوردة، فإن كويكبه سيتطور الى «كوكب - ارض صغير»، وستنمو جميع أنواع المشاكل التي هرب منها الى الكويكبات البعيدة.
* * *
كان «الأمير الصغير» هرب من كويكب الأرض لأن الرجال «الثقات»، «العارفين ببواطن الأمور» ضاقوا ذرعاً بأسئلته الساذجة، مثل: هل توجد أفاع ضخمة قادرة حقاً على ابتلاع خاروف، فقالوا له ساخرين: توجد أفاع عملاقة تبتلع فيلاً، تصوّر كيف تبدو أفعى الـ BOA القادرة على ابتلاع الفيل، وعندما أراهم رسمته، قالوا له: هذه قبعة وليست الأفعى التي يسع جوفها فيلاً ضخماً... وضحكوا منه في أكمامهم: ولد طيب وساذج!
* * *
قبل 40 عاماً قرأت بالفرنسية على مقاعد المدرسة «الأمير الصغير» Le Petit Prince لأنطوان - دوسان اكسبري الذي وضع كتابين آخرين: «طيران الليل» و«بريد الجنوب».. وقد تاه فعلاً هو وطائرته المفقودة، يقال: لو عاش هذا الطيار - الأديب - الفيلسوف، لبزّ في الألمعية جان بول سارتر.
ليس ما سبق تلخيصاً لـ«رواية» صغيرة جداً، لكنه ما تبقى في ذهني من بعض خيوطها. جميل ان تعيد كتابة روايات الصبا كما يحلو لك.