البنفسجي على الشجرة وفي كتاب مدرسي

البنفسجي على الشجرة.. وفي كتاب مدرسي!

البنفسجي على الشجرة.. وفي كتاب مدرسي!

 عمان اليوم -

البنفسجي على الشجرة وفي كتاب مدرسي

بقلم - حسن البطل

التقطتُ الكتاب المدرسي من على زاوية رصيف. المدرسة في زاوية رصيف آخر مقابل. مفرق عمارتي يشكل مع شارعين متقاطعين "مصلبية". بنات المدرسة الثانوية أدَّينَ، صباحاً، امتحاناً آخر، ربما هو الأخير لأنه امتحان كان يسمى "الثانوية العامة"، وصار يسمى "الإنجاز" من عامين!
التقطتُ، عصراً، كتاب "تاريخ العرب والعالم في القرن العشرين" من تحت شجرة مميزة، فهي تُزهر في أوانها، الذي هو أوان الامتحانات، وفي منتهاها لا تعقد أزهارها ثمراً، بل أوراقاً تكلّل شجرة خضراء بأوراق مفصفصة الشكل.

أخذتُ الكتاب إلى بيتي وقلّبته، ووجدتُ أن اللون الزهري البنفسجي للشجرة تساقط على بعض سطوره، كما اللونين الأصفر الفاقع والأزرق البحري بأقلام "ماركر" أحياناً، وغالباً بأقلام "بيغ" زرقاء اللون.

عادةً، بعد كل امتحان مدرسي، تجد الشوارع القريبة من المدرسة منثورة بنتف من الكرّاسات والكتب الممزّقة، وأحياناً المحترقة.

ذلك الكتاب، الذي أدَّيْتُ امتحان معلوماتي فيه، كان كاملاً، كأنها دلالة على اجتياز صاحبته الامتحان الصباحي بنجاح. نعم أدَّيْتُ امتحان اجتياز مادّة من مواد آخر التعليم الثانوي.. ولكن بعد نصف قرن ونيّف. امتحنتُ معلومات الكتاب على معلوماتي؛ وأعطيتُ نفسي علامة النجاح، في الرد على اختبار "رمز الإجابة الصحيحة" في آخر كل فصل من فصول الكتاب.

تغيّر العالم منذ قدّمت في العام 1964 امتحاني في التاريخ والجغرافية (والجيوبوليتيكا) واجتزته بنجاح، وتغيّرت المناهج الدراسية في سورية ونحو الأحسن في المناهج الدراسية الفلسطينية.
لو أن ذلك الكتاب عن مواد أخرى، كالرياضيات والعلوم الحديثة بخاصة، ما كنتُ أجرؤ على التقاط الكتاب في التاريخ والجغرافية لأمتحن نفسي.. كنتُ سأرسب على الأرجح!
الآن، هنا في فلسطين، وهناك في سورية، حذفوا الرسوب من نتيجة امتحانات المرحلتين الابتدائية والاعدادية. لكن، في أوائل سنوات الخمسينيات من القرن المنصرم، لمّا كنت تلميذاً ابتدائياً في مدرسة سيف الدولة في دوما، كان خمسة أو ستة تلاميذ من كل صف ينالون علامة "الرسوب"، التي حُذفت أوائل ستينيات القرن المنصرم، بعد توحيد المناهج الدراسية بين القطرين السوري والمصري.

أحتفظ في ذاكرتي المدرسية بأسماء المعلمين القساة كما أسماء المعلمين الطيبين. كان كامل غريواتي قاسياً علينا في الصف الثاني الابتدائي، وكان معلم الديانة واللغة مفيد غبية في الصف السادس، بهدل وأهان تلميذاً قادماً من أعماق ريف دمشق، لأنه كان يخطئ في قراءة آية قرآنية على السبُّورة، تمهيداً لإعرابها.

لما سألتُ التلميذ في فرصة بين حصتين بكى، وأفصح أن مقعده البعيد عن السبُّورة، لا يُمكِّنه من القراءة الصحيحة لعيبٍ من عيوب قوة البصر لديه.. وفي اليوم التالي، عندما قرأ الأستاذ أسماء الحضور في الصف كان التلميذ الذكي غائباً، فقد هجر المدرسة.

في الصف الحادي عشر لم يكن في مدرستي الثانوية فرع للعلوم الإنسانية، وكان أستاذ الفيزياء والكيمياء يشرح المعادلات الرياضية بطبشور على السبُّورة ووجهه إليها، أو يقف آخر الصف ليشرحها.

عبثاً، قلتُ للمعلم أن يشرحها ووجهه للتلاميذ، وفي النتيجة تركتُ المدرسة في ثانوية دوما إلى مدرسة جول جمّال بدمشق لدراسة فرع العلوم الإنسانية، واجتزت مواد التاريخ والجغرافية والمجتمع بنجاح كامل في امتحانات الشهادة الثانوية، وبنجاح بسيط في اللغة الإنكليزية، بينما كانت الفرنسية هي نصيبي من تعلم اللغة الأجنبية في ثانوية مدرسة دوما.

عبثاً، قال أخي لمدير المدرسة أن ينقلني إلى مساق الإنكليزية التي يتقنها وليساعدني فيها، لكن المدير قال: ليكن واحد من العائلة يعرف الفرنسية!
كانت سنوات الستينيات من القرن المنصرم عقداً من الاضطراب السياسي والمدرسي في سورية، جراء الانفصال عن مصر، ثم جراء هزيمة حزيران 1967، وعندما تخرجت من جامعة دمشق، كلية الجغرافية والجيولوجيا، عام 1968، دون رسوب في 12 سنة دراسية، اكتفينا بمصدقة جامعية، دون حفل تخريج، كالذي يجري في مدارس وجامعات فلسطين، وحتى في نهاية مرحلة الحضانة والانتقال إلى المرحلة الابتدائية؟
في مرحلتي الابتدائية قرأنا في الكتب المدرسية كيف كان اجتماع "السقيفة" بعد وفاة النبي، وكيف كان اختلاف الرأي فيه، لأن المدرسة السورية، آنئذ، كانت متأثرة بالعلمانية الفرنسية سنوات بعد استقلال سورية.

.. لكن، كما كانت بنات أخي الكبير يقرأن في كتاب الديانة الإسلامية، آخر ستينيات القرن المنصرم، وجدت أن رواية اجتماع السقيفة كانت سمناً وعسلاً وشورى جماعية، لا وجود فيها لاختلاف وجهات النظر لدى قبائل قريش؟

تغيّر العالم خلال نصف قرن، وتغيّر العالم العربي أكثر، وكذا المناهج الدراسية، لكن ما لم يتغير هو موسم الامتحانات المدرسية، الذي يجري آخر أيار ومطلع حزيران من كل عام.

بعد 45 سنة صحافية حافلة، ما زلت أستطيع أن أقدّم امتحاناً ناجحاً في تاريخ العرب والعالم في القرن العشرين، ومطلع القرن الحادي والعشرين.

منذ أربع سنوات، ومدخل عمارتي الطويل والمنزلق، يشكل فرعاً من "مصلبية" شوارع، وفي كل مطلع تموز ترتدي الشجرة على قرنه في هذه المصلبية، قبالة مدرسة بنات ثانوية شهيرة حلّة بنفسجية من الزهور المتساقطة على الرصيف، تتحوّل إلى أوراق خضراء مفصفصة بعد آخر امتحان من امتحانات شهادة الثانوية العامة.
.. وفي العام الخامس، ستزين ألوان قلم "ماركر" السطور المهمة من كتب الامتحان، الذي يجري "بصماً" وغيباً لما في الكتب.

 المصدر :جريدة الأيام 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

omantoday

GMT 08:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

الحقد الاسود

GMT 10:20 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الشرطي الشاعر

GMT 01:50 2019 الأحد ,25 آب / أغسطس

عن «الحشد» و«الحزب»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البنفسجي على الشجرة وفي كتاب مدرسي البنفسجي على الشجرة وفي كتاب مدرسي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 22:03 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 04:59 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab