«نحنا والقمر جيران» هيك في الأغنية. أما جيرة «الجريدة والوزارة» ففيها وجه من الطرافة.
الجريدة هي «مؤسسة الأيام»، والوزارة هي وزارة الخارجية.
الجريدة آخر «شارع الأيام». وهو شارع بلا منفذ، أو بتعبير فرنسي col-de-sac (ربطة الكيس) أو مأزق بلا
البلدية تعلّلت بإطلاق اسم الشارع على اسم الجريدة، لكون «مؤسسة الأيام» هي الأكبر في عدد موظفيها حين تأسيسها، فقد سبقت في بنائها المتواضع (من طبقة تحت ـ أرضية وأخرى علوية) بناء الوزارة، ذات التسع طبقات فوق الأرضية، وتحتها عدة طبقات تحت ـ أرضية.
يعني، لو سبقت إقامة الوزارة الجريدة ربما كان الشارع يسمى على اسمها. مبنى الوزارة ضخم ـ فخم، تبرعت الصين بإقامته من «الباب إلى المحراب» أو من حفر الأساس إلى تأثيث المبنى وتجهيزه بالكامل، ليكون أكبر وأجمل مباني الوزارات!
أين وجه الطرافة؟ مع السنوات، ضاق موقف «مؤسسة الأيام» عن استيعاب السيارات الخاصة بموظفيها.
وبما أن عدد موظفي الوزارة يفوق عدد موظفي الجريدة، لا بدّ من سياج ودّي بين «الباركَين»، أو إجبار الوزارة موظفيها وسياراتهم الكثيرة، على ركنها في باركينغ الوزارة، لا على صفّها أمامها في طابور طويل، أطول من باركينغ الجريدة، وللمراجعين ركن سياراتهم في شوارع جانبية.
بعض المراجعين للوزارة صاروا يركنون أو «يبرّكون» سياراتهم في باركينغ «الأيام»، لأنه يكون شبه شاغر في النصف الأوّل من النهار، ومن ثم وضعت الجريدة إشارة «قِفْ» مهذّبة: لطفاً هنا يبدأ باركينغ خاص.
الجريدة تعمل على منوال سبعة أيام في الأسبوع، أما الوزارة فتعمل خمسة أيام أسبوعياً، لأن عطلتها الرسمية هي يوما الجمعة والسبت.
هكذا، انتهت مشكلة تعدّيات سيارات الوزارة على موقف (باركينغ) سيارات الجريدة، التي كانت أشبه بتعدّيات على حياض أراضٍ خاصة فلسطينية، دون حاجة لشرطي سير، أو إشارة ضوئية، أو جدار اسمنتي أو سياج معدني.
إلى دوام «الأيام» طيلة أسبوع، ودوام الوزارة خمسة أيام، فإن باركينغ الجريدة مزدحم من منتصف النهار إلى منتصف الليل، فيما باركينغ الوزارة يخلو من السيارات بعد انتهاء الدوام الرسمي عصر كل يوم.
هكذا، صرنا «الجريدة والوزارة جيران»، أو بالأحرى صار باركينغ الأولى وباركينغ الثانية جيراناً، كما في الأغنية الفيروزية «نحنا والقمر جيران»، وليس مهماً من هو القمر ومن هي الأرض، ومن يدور حول من!
ما مِنْ حاجة للقول إن شوارع المدينة صارت كأنها «باركينغ» للسيارات، لكن أبو إلياس، صاحب مقهى رام الله الشعبي يقول إنه يتذكر زمناً كانت فيه لا أكثر من عشرين سيارة تدرج في شوارع المدينة، مع عدد محدود من الباصات.
تقول إحصائية إن عدد السيارات في رام الله ازداد بنسبة 70% بين السنوات 2007 ـ 2018، ما اضطر البلدية وشرطة السير والمرور إلى نظام مواقف الدفع المسبق، وما يرافقها من مخالفات و»كلبشات» إطارات السيارات المخالفة، إضافة إلى مواقف السيارات العامة والخاصة بالأجرة من 6 إلى 10 شواكل.. وفي شوارع المدينة «نهر أصفر» من السيارات!
للغيارى على لغة الضاد، أن يدّعوا أن «باركينغ» مشتقة من «برّك الجمل» أو «البركة»، لكنها مشتقة من نعت الحديقة (
في الأصل، أن غاية «حل الدولتين» أن تصبح فلسطين وإسرائيل جيراناً، على منوال الأغنية الفيروزية، أو جيرة باركينغ الجريدة مع باركينغ الوزارة، لا جيرة المستوطنة مع القرية والمدينة الفلسطينية.. لكننا نسير إلى شوارع خاصة بالمستوطنين وأخرى بالمواطنين، ناهيك عن المعابر والحواجز الأمنية. مستوطنة مسوّرة، ومدينة فلسطينية بلا أسوار.
صفحة الآراء في هذه الجريدة عكرة ومزدحمة بقضايا الساعة ومشاكلها، وتطلّ على القارئ بوجه عبوس وكشر مكفهّر، فغابت عنها مقالة رطبة ترسم شبح ابتسامة حتى في زاوية «أطراف النهار».
***
خلص موسم تخريج الناجحين في الثانوية العامة، وبدأ موسم تفويج خرّيجي الجامعات.
لفت نظري في تفويج جديد لطلاب جامعة القدس المفتوحة، أن خرّيجي اللغة الإنكليزية وآدابها وأساليب تدريسها أضعاف عدد خرّيجي اللغة العربية وآدابها وأساليب تدريسها.
تخرّج عشرة في اللغة الإنكليزية وآدابها، مقابل خرّيجين اثنين لا غير في اللغة العربية وآدابها.. ولكم أن تفسروا المسألة على أي نحو تشاؤون. نحن نكتب «موقف سيارات» لكن نقول «باركينغ» سيارات!
ليش لأ؟ الشعب الفلسطيني يحبّ ويشكر شعب وحكومة بلدين عربيين بالذات (تونس والجزائر بخاصة) لكن السلطة الفلسطينية تشكر، بطرف لسانها الأشقاء العرب أجمعين على (مواقفهم التاريخية الصلبة في احتضان شعبنا وقضيتنا الوطنية».. إحم! يعني للشعب «موقف» سياسي، وللسلطة «باركينغ» بالأجرة!
نحن والعرب في أخوة قومية، سواء درهمونا بشبكة أمان مالية أم تلكؤوا، ولا بأس إن أحبّوا فلسطين ولم يحبوا الفلسطينيين.
نحن وإسرائيل لسنا في جيرة القمر للأرض، ولا في جيرة الأرض للأرض، ولا في جيرة «حل الدولتين» أو جيرة «حل الدولة الواحدة». نحن في حالة صراع وصداع!
لسان حالنا كما كان أبي يدعو في صلاته: «اللهم ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا».. آمين يا رب العالمين!