كنوز مبعثرة

كنوز مبعثرة!

كنوز مبعثرة!

 عمان اليوم -

كنوز مبعثرة

حسن البطل

تقول الأسطورة:
قوم من الأقوام البائدة (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) أعلوا تمثالاً جسيماً.. وفاخراً:   مكان عينيه وضعوا ماستين وهاجتين. سكبوا وجهه من ذهب خالص. صنعوا جذعه من البرونز، وجعلوا له يدين من نحاس، وحوضاً من حديد، وساقين من حجر.. وأخيراً، قدمين من فخّار. 
تقول الأسطورة:
ضربت الأرض زلزلة ما، أو ضربت التمثال صاعقة من السماء .. فإذا بتلك العجيبة وقد اختلط ماسها بذهبها، حديدها بترابها..

.. ومنذ ذلك الوقت، يواصل ابن آدم التنقيب عن الماس ليصقله، وعن التبر ليصوغه؟!
                              
تذكرت هذه الأسطورة، وأنا أتصفح «الكنوز» التي تركها وراءه شاعرنا ابراهيم طوقان، كما جمعها الشاعر المتوكل طه. 

تمنحك تلك «الكنوز» متعة قراءة سوسيولوجية لـ «ظرف مكان/ زمان» فلسطيني، لكنها تطرح أسئلة وجيهة عن علة «تقديس» ما ندعوه «رموزنا» الثقافية.. حتى في «إبداعاتهم»!  

كنوز «شاعر الحب والثورة» نبّشها ووضّبها المتوكل، دون «انتقائية في التراث» علّل محاذيرها. لكن، هل أن حُكم الذي يلتقط التبر من هنا، والحجر الماسي من هناك، هو حُكم «المحقّق»، أم أن اللاانتقائية في التراث، تسمح بانتقائية وحيدة: «أن يكون عقلك وقلبك على هذه الأمة « كما يقول المتوكل في توطئته لـ «الكنوز».  

ربما الذائقة الشعرية هي التي تتبدل، فلا ترى في «شاعر الحب والثورة « سوى شاعر «الثورة»، صاحب الرباعيات الشهيرة: («الثلاثاء الحمراء»، «موطني»، «الشهيد»، «الفدائي»). النبض في هذه القصائد يضرب على وتر ذائقة وطنية - حماسية لا تزال لهّابة حتى الآن. وأما الذائقة الشعرية؟!!
                      
ربما وجدتُ «التبر» في نثر ابراهيم طوقان لا شعره، وظرافته في اسلوبه.. ولمحات من تنبؤاته العلمية بأن يأتينا، بعد قرن (ابراهيم طوقان 1905 - 1941) يصير فيه الورق ثميناً، فلا نحشوه بالغثّ من الأفكار.. أو توضيب الأفكار لا إنتقائياً؟! 

« سئل الشاعر محمد بن مناذر: أي الشعراء أحب اليك؟ أجاب: الشاعر الذي أنا فيه « (ص62). 

ربما وجد زميلنا المتوكل بعضاً من نفسه في شاعرنا ابراهيم طوقان، فجمع لنا «كنوزه»، سواء منها الثمين أو «سقط المتاع» فأعطانا مصدراً يمكن أن يبني عليه أديب «مُحقّق» في وقت لاحق، يتفرغ لصقل الماس، وصياغة التبر ذهباً مشغولاً بدقة.. وربما تكرير النفط الخام الى أصنافه. فعلى «المحقق» أن يكون كل ما سبق.. وإلاّ، فعلى القارئ أن يتعب ليغربل عناصر «التمثال» الذي رفعه لشاعرنا ابراهيم طوقان!

الجهد ملحوظ ومشكور، و»اللاتدخل» ملحوظ جداً، لكن عندما يتدخل المتوكل لا يوفق في ذلك دائماً: في (ص41) تساءل عن هفوة طوقان، الذي كتب «اللذين» بدل «الذين».. لكن في تدخل آخر (ص37) نسي كل الكلمات العامية في رسالة ابراهيم لشقيقته فدوى، وانتبه الى «إنشا الله» بدل «إن شاء الله»!
حرْص طوقان على ماله يبدو «جاحظياً»: ففي رسالته الى قدري يسأله : «هل تذكر في حياتك أنك ظفرت بقرش مني» وفي بعض شعره يبدو «إباحياً» ؛ وبعض نثره يبدو «واعظاً « أخلاقياً !

وهناك، أدبياً، قصة انتحال الشاعر «الأخطل الصغير» (بشارة الخوري) قصيدة «موطني» لشاعرنا طوقان، مثبّتة بمقارنة نصيّة.. أبعد ما تكون عن «التخاطر»، الذي نجده في بعض شعر طوقان من شعراء عرب سابقين زمن الجاهلية.

ثمة آراء لطوقان تبدو «غير ديمقراطية «: «لا يزال المسلمون يقومون بواحد ويقعدون بموته» (ص32).الى شعره ونثره، هناك كونه صحافياً (صحفاً وإذاعة)، ومحرراً أدبياً، ومذيعاً. هنا تعثر على «كنز» حقيقي:في حديثه من إذاعة فلسطين 2/7/1940 مع المهندس ميشال سماحة، نكتشف شيئاً مدهشاً: تعاونت الأوقاف الاسلامية مع سكان المستعمرات اليهودية لتجفيف وادي الفالق (بين يافا وطولكرم) بكلفة 22 ألف جنيه فلسطيني، نصفها من الحكومة والباقي من الأوقاف والمستعمرات اليهودية. بذلك، تم القضاء على «الملاريا» في المنطقة، قبل أن تنجح اسرائيل بتجفيف بحيرة الحولة، سوى أن مشروع الفالق يبدو أنجح بكثير.. لأنه تم «على أحدث طريقة فنية لم تتبع إلا في أميركا وحدها « فصارت 8 آلاف دونم أرضاً زراعية ممتازة، بعدما كانت موبوءة بالملاريا، و40 ألف دونم أخرى صارت صالحة للسكن والاستغلال، وتعطي ثلاثة مواسم بدلاً من موسم واحد: «ست ملفوفات انحشرت في مقعد خلفي يتسع ثلاثة ركاب» (ص179).
                             
هناك «كنوز» حقاً جمعها المتوكل طه، وترك للقارئ عناء أن التقاطها.. أو ترك للباحث أن «يحقق» ما «جُمع» بين دفتي كتاب.

ملاحظة أخيرة: نعامل «رموزنا» الثقافية بكل الاحترام، لكن نعامل «رموزنا» السياسية بموضوعية أكثر.. لا تخلو من «التحامل» أيضاً.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كنوز مبعثرة كنوز مبعثرة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab