ماذا أحبّ في شارع ركب

ماذا أحبّ في شارع ركب؟

ماذا أحبّ في شارع ركب؟

 عمان اليوم -

ماذا أحبّ في شارع ركب

حسن البطل

أهرب من "شيء" يطاردني ليفتك بي، هذا كابوسي الليلي الذي يزورني مرة كل سنوات، ماذا عن كابوس من كوابيس النهار؟
أن أمشي صباحاً، كالمعتاد، في شارع ركب - رام الله، فاذا بشجيرات رصيف تشب، شيئاً فشيئا، إلى أشجار وارفة، وقد أتى على جذوعها منشار آلي.
ليس شارع ركب بالتحديد، لكن أشجار أرصفة شوارع مركز المدينة،
هذه لا أقل من "مجزرة" لكن أعمال طائشة تجري، أحياناً، ضد أشجار معدودات، حيث يتباهى بعض الشباب المرضى بقوة ذراعهم، وأحياناً أخرى يتباهون بقوة أقدامهم، كما في قتال المصارعات الآسيوية.
صار عمر شجيرات شارع ركب، وشوارع مركز المدينة، ست سنوات، منذ أعادت البلدية بناء البنية التحتية للشوارع (ماء شرب، وقنوات صرف مياه أمطار، وأخرى للمجاري) وأيضاً بنية فوقية، برصف الشوارع برصيف موحّد، سهل التفكيك، وزينت الأرصفة بأعمدة إنارة .. وأخيراً، بأشتال شجيرات من نوع واحد، دائمة الخضرة، وتزيدها أعمال التسهيل (التقليم) كثافة فروع كأن كل واحدة منها شجرة ملتفة (أيك) "إزرع ولا تقطع"؟ أو اذا لا تريد أن تسقي فلا تزرع (حسب أمي الفلاحة رحمها الله) سوى ان الاشجار تستغني عن العناية بالسقي بعد سنتين أو ثلاث.
الناس تحب شارع ركب (أو لا تحبه ولا تحب رام الله)، بعض الناس يحبون أعمدة الإنارة، وبعضهم فترينات المحلات، وثمة من يحب "شارع المقاهي والمطاعم" .. وأنا؟
أنا أحب الأشجار أولاً، وأمقت الشباب الطائشين الذين يقطعون سيقان او اعناق الاشجار لمرض نفسي، وكذا امقت شباناً يتبارون في "رفص" مستطيل من الأجر يحيق بأسفل الأشجار، ليبرهنوا على قوة أقدامهم في الركل.
البلدية تعيد غرس شتلات اشجار جديدة محل الاشجار القتيلة بنت عامها، أو عامين، وتعيد بناء طوق من الأجر .. لكنها، ولحكمة أدركتها متأخراً، تترك الاشجار القتيلة بنت اعوامها الثلاثة أو الاربعة، على امل انها سوف تعود للحياة من جديد، وتمد فروعاً من "الطلق" أو "الفسائل" وتغدو شجيرة قصيرة القامة، لا تستطيع الأيدي العابثة ان تجد لها ساقا أو عنقاً تقطعه أو تجزّه.
ليس شارع ركب - رام الله في شهرة شارع الحمراء - بيروت، انه شارع ضيق مثله، لكنه محور حياة المدينة في الحركة من المشاة ومن السيارات ومن المقاهي والمطاعم.
شارع ركب - رام الله، صار أحلى من شارع الحمراء، ولكن ليس احلى من شارع الشانزيليزيه الفسيح اولاً، والذي تزيده جمالاً اشجار معتنى بها، دائمة الخضرة، ومتساقطة الاوراق أو مزهرة.
شوارع منتجع سيدي بورسعيد - تونس، تعطي مزيجاً متآلفاً من الألوان: الأبيض للبيوت. الأزرق السماوي للأبواب والنوافذ، والأخضر لون الشجرة.
لدينا تآلف أقل في شارع ركب، وبقية شوارع المدينة - رام الله والمدن الفلسطينية، وهو تآلف اللون الأبيض لحجارة الأبنية واللون الأخضر لشوارع الأرصفة.
لعل شوارع رام الله كانت على أرصفتها أشجار الصنوبر والسرو، ولحكمة ما صارت أشجار شوارعها موحدة غالباً بأشجار دائمة الخضرة، وملتفة أغصانها، إذا قامت البلدية، مرة كل سنة أو سنتين بتشذيب الأغصان وتقليمها.
برهنت ثلجة كانون المبكرة هذا العام عن منطق في اختيار هذا النوع من الشجر، الذي يعمل ظلاً دفيئاً، إذ إن وطأة الثلج قليلاً ما تكسر فروع الشجرة، لكن إن فعلت نادراً فإن الجملة الجذرية للشجرة تعود إلى الحياة بقوة، لتعيد تشكيل جملة ورقية.
كلنا نحب عبارة نضالية تقول: الأشجار تموت واقفة، ولكل نوع من الشجر عمر افتراضي، لكن يحصل أحياناً أن تعود شجرة كانت على إطلاق الحياة من أدنى مستويات قطع الشجرة الهرمة، إذا لم يحرقها عمال البلدية، ليزرعوا نوعاً آخر من الشجر مكانها.
شخصياً، أحب محمود درويش، شاعراً وإنساناً ومفكراً سياسياً، وأحب من أشعاره قوله: "الشجر العالي كان نساء / كان لغة"، وأيضاً قوله: "سيل من الأشجار في دمي.. أتيت أتيت".
كانت الطحالب والاشنيات بدء اخضرار الأرض، ثم صارت النباتات، ثم صارت الشجرة "ملكة النبات" وكانت الحياة الحيوانية بدأت بذات الخلية الواحدة، ثم متعددة الخلايا .. فإلى سائر مملكة الحيوان، التي يقف الإنسان على قمتها.
معظم عناصر الحياة مؤنثة، لذا قال الشاعر عن المرأة إنها "نارنا الدائمة" استعارة من عصر ما قبل ابتكار النار، عندما كانت القبائل البدائية تستفيد من صاعقة تحرق أشجارا، للحفاظ على النار متقدة أو كانت قبائل أخرى تسرق شيئاً من النار منها.
ثمة خطأ شائع عن موت الأشجار، وهو أن السوس ينخر بنسغ حياتها بين اللحاء والخشب (السيللوز) لكن الحقيقة أن السوس يستجيب لنداء موت الشجرة، كما تستجيب الديدان، في القبر وخارجة لموت الكائن الحي.

 

omantoday

GMT 13:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الخوف صار هذه الناحية

GMT 13:34 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل يستمر الصراع على سوريا؟

GMT 13:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

البيضة والدجاجة في السوشيال ميديا

GMT 13:31 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل «حرَّر» الشرع إيران من الإنفاق على المنطقة؟

GMT 13:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الاسم والنجم في دمشق

GMT 13:29 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

التغيير وعواقبه

GMT 13:27 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا أحبّ في شارع ركب ماذا أحبّ في شارع ركب



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab