اغتيال الحريري والمشروع الإقليمي

اغتيال الحريري والمشروع الإقليمي

اغتيال الحريري والمشروع الإقليمي

 عمان اليوم -

اغتيال الحريري والمشروع الإقليمي

وليد شقير

يقول كثر من اللبنانيين إن ما يجري في المنطقة يجعلنا نفهم لماذا اغتيل رفيق الحريري.

وقد يحلو للبعض ممن رافقوا الحريري أن يتصور ماذا كان الراحل يمكن أن يفعل في ظل هذه الحروب والحرائق والانقسامات والدماء وموجات التطرف التي يشهدها الإقليم. وقد يذهب الخيال بهذا البعض إلى تصور الحريري يتحرك بديناميته المعروفة وعلاقاته الدولية والعربية بين الدول، ساعياً إلى إطفاء الحرائق واختراع الحلول للصراعات، وابتداع الأفكار من أجل تمكين لبنان من مواجهة الإرهاب، بالتعاون مع الدول القريبة والبعيدة.

فالرجل كان مهجوساً بالتسويات ورافضاً العنف والتقاتل بين أبناء جلدته، الذين أدرك أن أكثر ما يحتاجونه من أجل التقدم ومواكبة العصر هو توظيف الثروات التي تختزنها دولهم في ظل حد أدنى من الاستقرار الذي يساعد في تطوير بناهم الاقتصادية والسياسية، فهذه تغذي تلك بنظره.

قبل اغتياله، أثبت الحريري قدرته على هذا النوع من المهمات، بدءاً بالدور الذي لعبه في جهود وقف الحرب الأهلية اللبنانية، وصولاً إلى اتفاق الطائف الذي وضع حداً لها. وهو ساهم في محطات كثيرة في التواصل بين المملكة العربية السعودية وبين إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية أواخر ثمانينات القرن الماضي، وفي تحسين العلاقات الغربية السورية إبان حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وفي العلاقة بين باكستان وعدد من دول الغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، ثم في العلاقة بين الاتحاد الروسي ودول الخليج العربي... إلخ.

لكن المؤكد أن الحريري تعاطى مع نمو الإرهاب والتطرف الديني في التسعينات على أنه الآفة التي تقضي على فرص خروج المجتمعات العربية من التخلف إلى الدولة الحديثة التي قاعدتها العلم للأجيال الطالعة من جهة، وتحديث بنى هذه الدولة من جهة ثانية.

كل ما يجري يعاكس الطموحات التي تطلّع إليها الحريري. وفضلاً عن أن الحروب نقيض التنمية والإعمار، فإن تغييب الدولة وإلغاء السلطات المركزية في كل هذه الدول لمصلحة الميليشيات المذهبية والطائفية والقبلية، يشكلان الخيبة الأكبر لأفكاره، التي وجد فيها البعض آمالاً حالمة، فهو خاض بحماسة التجربة الصعبة لاستيعاب الميليشيات في الدولة اللبنانية بعد حلها ونزع سلاحها على أيدي أسلافه في الحكم، وقدم التنازلات التي أُخذت عليه ثمناً لهذا الاستيعاب، وقبل بالتراجع عن الكثير من حقوقه في الحكم للقوى الخارجية كي تغطي اكتساب الدولة المزيد من المساحة على حساب نفوذها، عبر بقايا الميليشيات، وهو تراجع تعلّم منه أن مصلحة الدولة تتطلب من الحاكم أن يتخلى أحياناً عن شيء من كرامته، لا سيما تجاه النفوذ السوري.

بدأ الحريري التفكير بمصير مقاتلي المقاومة ضد إسرائيل منذ عام 1996، بعد تفاهم نيسان، الذي اعتُبر نصراً ديبلوماسياً للدولة اللبنانية، إثر حرب الجيش الإسرائيلي ضد «حزب الله» في جنوب لبنان. والحريري طرح الفكرة من موقع من موّل ونظّم خلايا في مسقطه صيدا، نفذت عمليات ضد المحتل الإسرائيلي للمدينة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

وفي صيف ذلك العام، بعد وقف الحرب، أسرَّ للبعض بضرورة التهيؤ لاستيعاب مقاتلي «حزب الله» في الدولة بعد الانسحاب الإسرائيلي (الذي حصل عام 2000)، حتى لا يتحولوا إلى ما يشبه «الأفغان العرب»، أي المقاتلين الإسلاميين الذين عادوا من أفغانستان إلى بلدانهم وتحولوا فيها إلى مجموعات متطرفة تتحكم بمصيرها البطالة وفساد الحكم والإدارة والتعبئة الدينية المنحرفة التي يغذيها الجهل. (كما في الجزائر في التسعينات).

أين ما كان يحلم به الحريري في خصوص لبنان بعد 19 سنة على طرحه وبعد 10 سنوات على اغتياله؟

ليس صدفة أن يكون صراعه مع الهيمنة السورية وحلفائها اللبنانيين تصاعد بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000. ولعل الحريري قاوم من دون أن يدري، في سعيه لاستعادة الدولة المساحة التي أخذتها منها الميليشيات، مشروعاً أكبر بكثير من طموحه اللبناني هذا. ولم يعد السؤال الذي طرحه على نفسه باكراً منذ 1996 وسعى إليه بعد عام 2000، يقتصر على كيفية استيعاب مقاتلي «حزب الله» في الدولة. بات السؤال حول التسوية التي تستوعب قوى «الحشد الشعبي» والميليشيات الشيعية والسنّية في الحرس الوطني في العراق (الخلاف عليه حالياً في البرلمان)، وما هو مصير الميليشيات في ليبيا بعد الفوضى التي ضربتها، وأي حل سيستوعب «جيش الدفاع الوطني» الذي دربته إيران في سورية للمحاربة مع النظام (فضلاً عن التشكيلات العسكرية المعارضة للنظام) والمصير الذي ستؤول إليه ميليشيا «أنصار الله» الحوثية في اليمن. ومعظم هذه الميليشيات ترتبط في ما بينها مع «حزب الله» بمشروع واحد وراءه قوة إقليمية هي إيران.

مشروع الحريري كان معاكساً لكل ما يجري، انطلاقاً من البلد الصغير الذي أراد حكمه مع شيء من الكرامة.

وعليه، لا يعود الجواب صعباً عن السؤال عمّا كان سيفعله ازاء احداث المنطقة لو بقي حياً.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اغتيال الحريري والمشروع الإقليمي اغتيال الحريري والمشروع الإقليمي



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab