دماء حلب والأحادية الروسية

دماء حلب والأحادية الروسية

دماء حلب والأحادية الروسية

 عمان اليوم -

دماء حلب والأحادية الروسية

بقلم : وليد شقير

قد يكون المتابعون للمجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد وحلفاؤه في حلب منذ أكثر من أسبوع، غاب عن بالهم أن اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية الذي أنتجته روسيا والولايات المتحدة الأميركية في 22 شباط (فبراير) الماضي نص على نقاط تفصيلية تجعل من الهجمة الأخيرة التي يشنها تحالف الأسد وإيران و «حزب الله» وسائر الميليشيات الحليفة على مناطق المعارضة، فضيحة على الصعيد الدولي.

لم يسبق أن ضربت أي دولة أو جهة مسلحة بعرض الحائط اتفاقاً دولياً كالذي نحن أمامه، على مر الحروب، بهذا الوضوح، سوى إسرائيل حيال الشعب الفلسطيني، مثلما تفعل الدولة الروسية العظمى، الطامحة إلى استعادة مكانتها الدولية ونديتها مع أميركا. إنها تتصرف كالميليشيات غير المنضبطة، ما يجعل الهالة التي أعطيت لـ «القيصر» و «لاعب الجيدو» الماهر الذي يجيد مفاجأة خصمه، تسقط إلى أدنى درك أمام سيل الدماء التي تنزف من المدنيين، وهول التدمير الممنهج في حلب.

قد يكون من السذاجة التذكير بنصوص الاتفاق الذي صاغه سيرغي لافروف وجون كيري، بعدما تسببت الموجة السابقة من الهجمات على حلب في مطلع شباط بغضب أوروبي وأميركي، لتزامنها مع بدء مفاوضات جنيف في حينها وفق قرار مجلس الأمن 2254: وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك القصف الجوي للجيشين السوري والروسي (النظام قصف حلب بصاروخ بعيد باليستي، إضافة إلى الطيران طبعاً)، التوقف عن السعي لكسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة في وقف النار (يفاخر النظام والإيرانيون بخوضهم المعركة «الكبرى» لاحتلال حلب... وبأنباء الحشود لهذا الغرض)، السماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن من دون عراقيل الى جميع المناطق فوراً لإيصال المساعدات ( سمح النظام بإدخال قناني المياه إلى داريا ومنع الطعام عنها وعن مضايا وغيرها باعتراف ستيفان دي ميستورا)، الإفراج المبكر عن المعتقلين، وخصوصاً النساء والأطفال، الاستخدام المتناسب للقوة في حال الدفاع عن النفس (ما يعطي المعارضة حق الرد..). ولم يغفل الاتفاق هدف «تنفيذ سريع وفعال وناجح لعملية الانتقال السياسي» طبقاً لقرار مجلس الأمن وبيان جنيف 2012، وفي عدد من فقراته يلزم «الدول الإقليمية بدعم وقف العنف».

في المقلب الآخر من «سذاجة» استرجاع النصوص حقائق ساطعة برزت:

- استخدمت موسكو اتفاق الهدنة، ومن ثم إعلانها سحبها الجزئي والمسرحي لقواتها الجوية في 14 آذار، من أجل جعل النظام ينظم صفوفه مع الإيرانيين، الذين استقدموا المزيد من القوات الخاصة تمهيداً للاندفاعة التي ينفذها الآن.

- بررت موسكو تراجعها عن البحث في مصير الأسد تحت عنوان إجراء انتخابات رئاسية بعد 18 شهراً يترشح فيها هو ويسقط بنتيجتها، لأن النازحين المعارضين له سيشتركون فيها بحماية ورقابة دوليتين، بأن «الحليف الصعب»، إيران، يرفض هذه الصيغة. وانتقلت موسكو إلى طرح صيغ ملتبسة من نوع تعيين نواب للرئيس وتشكيل مجلس عسكري مشترك، للتحايل على مطلب نقل صلاحياته وبحجة أولوية محاربة «داعش» و «جبهة النصرة». جاء كل ذلك بعدما أقنعت واشنطن منذ خريف 2015، أن البت ببقاء الرئيس السوري أو رحيله يتم بعد بدء العملية السياسية، وبالاتفاق مع «الدول الإقليمية». وهو يعني التسليم ببقائه.

- تركت النظام وحلفاءه يستخدمون «داعش» وهجماته على مواقع المعارضة التي تخضع في الوقت نفسه لاختبار قتال تنظيم «الدولة الإسلامية»، من أجل إضعاف المعارضة المعتدلة المصرّة على رحيل الأسد، بعد أن نجحت في توحيد صفوفها في مؤتمر الرياض الشهير (في مطلع كانون الأول/ ديسمبر) بين المجموعات السياسية وأكثر من 90 فصيلاً مسلحاً على الأرض وتعذر تجاوزها.

- دفع المعارضة إلى الانسحاب من مفاوضات جنيف 3 الأخيرة احتجاجاً على خرق الهدنة والمجازر، من أجل السعي إلى تقسيمها وتشتيتها والمطالبة بوضع بعض فصائلها على لائحة الإرهاب، وإيجاد مفاوضين جدد لإحلال «معارضة موسكو» و «القاهرة» و «الداخل»... مكانها في التفاوض على قاعدة بقاء الأسد.

- مع أن الرئيس باراك أوباما يواصل التسليم بالدور الروسي، واكتفى باتهام فلاديمير بوتين بدعم «النظام القاتل» مع إيران، فإن موسكو تبعث مجدداً من الميدان السوري الرسائل إليه، أثناء جولته الداعمة لحفظ وحدة أوروبا وتوسع حلف «الناتو» إلى دول البلطيق. فتشدد بوتين في سورية، بعد أوكرانيا، يرمي إلى إفهام أوباما ومن سيخلفه، أنه يتمسك بمناطق النفوذ التاريخي لروسيا.

دماء السوريين هي وقود الرسائل الروسية، وسط انهماك تركيا والدول العربية المعنية بهمومها. وتفرد موسكو بتحديد موعد جديد لمفاوضات جنيف يذكر بالجنوح الأميركي نحو الأحادية، وإطلاق يد الحلفاء لإسقاط الهدنة يكذّب ادعاء الحرص على تغطية الشرعية الدولية.

omantoday

GMT 21:49 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الزيارة المفتاح

GMT 05:56 2021 الخميس ,18 آذار/ مارس

«تنذكر وما تنعاد»!

GMT 07:31 2021 الأربعاء ,17 آذار/ مارس

سوريّا والتاريخ الممنوع دائماً

GMT 12:03 2021 الخميس ,11 آذار/ مارس

الضرر البيئي في سوريا أخطر من أضرار الحرب!

GMT 00:38 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"نقطة التحوّل" التي فاتت بشّار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دماء حلب والأحادية الروسية دماء حلب والأحادية الروسية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab