استباق طهران التحولات الميدانية

استباق طهران التحولات الميدانية

استباق طهران التحولات الميدانية

 عمان اليوم -

استباق طهران التحولات الميدانية

وليد شقير

تكثر الأسباب التي تدفع إيران إلى استعجال الحوار مع جيرانها العرب، بعد الاتفاق النووي بينها وبين الدول الكبرى. وهي تسعى إلى إسقاط معايير المفاوضات الطويلة التي خاضتها مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، على هذا الحوار المفترض، ومن بينها سياسة «الإغواء» الإعلامي والديبلوماسي التي بدأها الرئيس حسن روحاني بعيد انتخابه، لا سيما عام 2013 عند اشتراكه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، وتابعها وزير خارجيته محمد جواد ظريف، واستخدما فيها الابتسامة الدائمة لتغطية التنازلات التي ظللها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي حين وصف الحوار مع «الشيطان الأكبر» بأنه حوار الشجعان.

اتكأت تلك الابتسامة على الاجتماعات السرية التي سبقت وصول روحاني إلى الرئاسة واستمرت بعدها، بين مسؤولين إيرانيين وآخرين أميركيين برعاية سلطنة عمان وفي أمكنة أخرى في حينها، لإيجاد مقاربة تحقق مصلحة الطرفين: حاجة إيران للتخلص من العقوبات الاقتصادية التي أنهكت اقتصادها ومجتمعها الفتي وأوصلته إلى حافة الانهيار، ورغبة واشنطن في صوغ معادلة جديدة في المنطقة تستبعد تورطها في أي حرب، كي تتفرغ لاستدارتها الإستراتيجية نحو تركيز جهودها على نفوذها في المحيط الهادئ والهند الصينية حيث ترى مستقبل قيادتها العالمية في الألفية الثالثة.

تختلف معايير التفاوض بين الحالتين. ويبدأ الاختلاف من الأسباب التي تدفع طهران إلى هذا الاستعجال في التفاوض مع جيرانها. فهي أولاً تريد توظيف الاتفاق على النووي باعتباره انتصاراً لها على المسرح الدولي، قبل أن يبدأ تنفيذ التنازلات التي فرضها عليها الاتفاق فيخف هذا الوهج. وهي ثانياً ترغب في استباق أي تعديل من موازين القوى لغير مصلحتها، في الدول التي بنت لنفسها نفوذاً فيها، سواء عبر اقتطاعها بالواسطة مساحات جغرافية داخل هذه الدول (اليمن والعراق وسورية ولبنان) أو مواقع في السلطات وأجهزة الحكم فيها. وهذا يخفف من وزنها الإقليمي وشراكتها الإمبراطورية في إدارة هذه الدول، وبالتالي في دورها الإقليمي الذي تعتبر قيادتها أنه يؤهلها لأن تكون الأقوى والأقدر في الإقليم. فما قضمته، بينما الدول المعنية غافلة عن توسعها، بدا أنه معرض للتآكل، كما هو حاصل في اليمن نتيجة الاندفاعة السعودية - الخليجية في اتجاه تثبيت الشرعية بغطاء من قرار مجلس الأمن الرقم 2216، وكما هو حاصل في سورية أيضاً، ولو ببطء مرشح للاستمرار والمراوحة، بدءاً بالتمهيد لقيام منطقة آمنة شمال بلاد الشام بتعاون أميركي - تركي، مع ما قد يستتبع ذلك من احتمالات قيام منطقة آمنة جنوباً على الحدود مع الأردن، ما أوجب على الجانب الإيراني أن يعتمد سياسة الأرض المحروقة للدفاع عن تحصين الرئيس بشار الأسد في دمشق عبر خوض معركة الزبداني، وصولاً إلى اعتماد سياسة تغيير ديموغرافي في تركيبتها بتهجير سكانها وإحلال مواطنين شيعة فيها، بموازاة التمسك ببقاء الأسد في الرئاسة عند البحث في الحلول السياسية بالاشتراك مع القيادة الروسية، التي بدأت الكفة ترجح لمصلحتها في رعاية الحل في سورية، قياساً إلى الكفة الإيرانية. كما أن الخشية من تغيير موازين القوى كسبب لاستعجال التفاوض مع جيران ايران يمكن أن تنطبق على ما جرى ويجري في العراق، الذي فاجأ ربيع الانفتاضة الشعبية ضد الفساد والمحاصصة الطائفية فيه، طهران وخصومها على السواء. وعلى رغم أن ما استجد في بلاد الرافدين لا يُنقص من نفوذ طهران هناك، فإن اضطرار حكومة بغداد للإصلاحات التي تحد من الفساد سيقطع الطريق على إفادة «الحرس الثوري» من المبالغ الطائلة التي موّل منها وما زال (بعشرات بلايين الدولارات) ميليشيات «الحشد الشعبي» تسليحاً وتدريباً، والميليشيات الشيعية الأخرى المتعددة الجنسية، التي تقاتل في سورية، بما فيها «حزب الله»، إضافة إلى تمويل الحوثيين في اليمن. وهو ما اضطر المرجعية الإيرانية إلى احتضان نوري المالكي بعد توجيه التهم إليه، لأنه شكّل غطاء لهذا الفساد الذي موّل النشاطات الإيرانية في زمن العقوبات. في اختصار فإن سبب استباق التحولات الميدانية في عدد من الدول التي تتمدد فيها ايران جوهري إذا صح الحديث عن أن واشنطن تشجع حلفاءها العرب على استعادة التوازن مع نفوذ طهران قبل الحوار معها.

أما السبب الثالث لهذا الاستعجال فهو أن شركاء طهران في الاتفاق النووي، لا سيما موسكو وواشنطن، ترغبان مع دول الاتحاد الأوروبي، في أن تثبت قدرتها على تطبيع علاقاتها مع دول الجوار، إنفاذاً لعودتها دولة منخرطة في المجتمع الدولي، خصوصاً أن رفع جزء من العقوبات المفروضة عليها مرتبط بما يسميه الأميركيون الإقلاع عن تهديد أمن جيرانها، ورفع التهمة عنها بأنها تدعم الإرهاب.

تزيّن طهران للدول العربية أن الحوار معها سيفضي إلى وضعية «ربح - ربح» للطرفين. فكيف يكون الطرف العربي رابحاً إذا كان الحوار سينطلق مما حققته هي من ربح في عقر داره؟

omantoday

GMT 10:48 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 10:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 10:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 10:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 10:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 10:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 10:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استباق طهران التحولات الميدانية استباق طهران التحولات الميدانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab