فى ذكرى الهزيمة

فى ذكرى الهزيمة

فى ذكرى الهزيمة

 عمان اليوم -

فى ذكرى الهزيمة

حسن نافعة

فى 5 يونيو من عام 1967 شنت إسرائيل حرباً متزامنة على ثلاث دول عربية، هى مصر وسوريا والأردن، وألحقت بجيوشها هزيمة عسكرية قاسية، وتمكنت من احتلال أجزاء شاسعة من أراضيها شملت ما تبقى من فلسطين وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية. ولأن النظم العربية الحاكمة فى ذلك الوقت، وعلى رأسها نظام عبدالناصر فى مصر، كانت تزايد على بعضها البعض، وتعد شعوبها بنصر مبين وسريع، فقد كان للهزيمة الساحقة والخاطفة مذاق خاص شديد المرارة، بدت معه الشعوب العربية كأنها تعيش كابوساً، وليس أمراً واقعاً شديد البؤس يتعين التعامل معه والخلاص منه. كنت قد فرغت لتوى من أداء امتحان السنة النهائية بالجامعة، وعدت إلى قريتى بالبحيرة قبل أيام قليلة جداً من وقوع الصدام العسكرى، الذى كنت أعتقد، وقتها، أنه أصبح حتمياً وبات مسألة وقت بعد قرار عبدالناصر إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية. ما إن أعلنت وسائل الإعلام، صباح يوم 5 يونيو، أن الحرب قد بدأت حتى سارعت بالعودة إلى مدينة الإسكندرية، وتوجهت على الفور إلى المقر الرئيسى لمنظمة الشباب لأسجل اسمى فى قائمة الراغبين فى التطوع للقتال، فوجدت أن المئات من زملائى قد سبقونى إلى هناك للغرض نفسه. وبمرور الساعات، ومع تزايد الزحام وتهرب المسؤولين بدعوى انشغالهم بمتابعة التطورات الميدانية، طُلب منا العودة من حيث أتينا، مع وعد بالاتصال بنا على وجه السرعة حين تتضح الأمور وتصبح هناك ضرورة لذلك. عدت إلى قريتى ومشاعر قلق دفين تنتابنى، وتتصاعد بسرعة مع تغير نغمة الإعلام ونوعية الأغانى التى تبث، حيث حلت أغانى أم كلثوم وعبدالوهاب الوطنية القديمة محل أغانى عبدالحليم حافظ وفهد بلان القومية الحماسية. ورغم إدراكى أن الرياح بدأت تهب على غير ما تشتهى السفن، فإننى لم أتوقع إطلاقا أن تصل الكارثة إلى الدرجة التى تدفع عبدالناصر للتنحى. كانت مشاعرى فى تلك اللحظة شديدة الاضطراب والتناقض فى الوقت نفسه. فرغم ما انتابنى وقتها من إحساس عارم، ولأول مرة فى حياتى، بالنقمة على عبدالناصر بسبب قناعتى التامة بمسؤوليته عن الهزيمة، فإنه ما إن فرغ من خطاب التنحى حتى انتابنى إحساس باليتم والضياع والخوف على مصر. غير أن ما وقع فى القرية أمام عينى، فور الانتهاء من خطاب التنحى، أصابنى بالذهول. فقد انطلقت على الفور، وفى تلقائية تامة، مظاهرة محدودة من فلاحين بسطاء راحوا يجوبون شوارع القرية وهم يصرخون فى هستيريا: «لا.. حنحارب.. حنحارب»، ووجدتنى بتلقائية شديدة أنضم إليها، وما هى إلا دقائق حتى كانت الشوارع كلها قد امتلأت عن آخرها تردد الشعارات نفسها، ثم تبين لى بعد ذلك أن كلمة السر الرافضة للهزيمة والاستسلام والمطالبة باستمرار المقاومة حتى النصر لم يبادر بها شخص أو تيار سياسى بعينه، وإنما انطلقت فى وقت واحد من كل الحناجر لتشكل دليلاً إضافياً على عبقرية هذا الشعب وقدرته على التوحد فى لحظات الألم والمحنة. أعترف بأن قدرتى على استيعاب ما جرى فى تلك اللحظات كانت وقتها محدودة، ولم أدرك إلا لاحقاً أن أعظم سنوات البناء الجاد التى عاصرتها بنفسى فى مصر كانت تلك التى أعقبت الهزيمة مباشرة. فقد بدا شعب مصر كله حينئذ مستنفراً ومصمماً على مواجهة التحدى وإلحاق الهزيمة بإسرائيل. وأظن أن الذين شهدوا سنوات حرب الاستنزاف، خلال الفترة من 67 حتى 70، يدركون كم هو عظيم هذا الشعب وقادر على صنع المعجزات. توجهت إلى فرنسا للدراسة فور قبول عبدالناصر مبادرة روجرز التى توقفت على إثرها حرب الاستنزاف. وبعد شهرين، وأثناء تواجدى فى باريس، رحل عبدالناصر الذى شاءت إرادة الله أن تحرمه من قيادة معركة التحرير بنفسه، لكنه كان قد أكمل بناء الجيش القادر على تحقيق النصر بمعاونة رجال من أمثال: محمد فوزى، وعبدالمنعم رياض، والشاذلى وغيرهم. كانت مصر فى تلك الأيام، رغم الهزيمة، دولة قوية ومهابة. وقد لمست هذه الحقيقة بنفسى أثناء تواجدى فى فرنسا. فقد اهتمت وسائل الإعلام الفرنسية برحيل عبدالناصر أكثر من اهتمامها برحيل ديجول نفسه بعد ذلك. الهزيمة لا تحدث بمجرد وقوعها، لكن بقبولها والاستسلام لنتائجها. مصر الآن تبدو مهزومة بالفعل، وعليها ألا تقبل بالهزيمة أبداً. وهذا هو أهم الدروس المستفادة مما وقع فى 67. نقلا عن جريدة "المصري اليوم "

omantoday

GMT 10:48 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 10:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 10:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 10:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 10:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 10:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 10:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى ذكرى الهزيمة فى ذكرى الهزيمة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab