ماذا بعد الحكم لصالح جامعة النيل

ماذا بعد الحكم لصالح جامعة النيل؟

ماذا بعد الحكم لصالح جامعة النيل؟

 عمان اليوم -

ماذا بعد الحكم لصالح جامعة النيل

حسن نافعة

صدر منذ أيام حكم يقضى بأحقية جامعة النيل فى استرداد جميع الأراضى والمبانى المملوكة لها والمخصصة فى الأصل لصالح مشروع زويل. ما يلفت النظر فى هذا الحكم أن حيثياته أشادت بمشروع مدينة زويل، وعبّر الحكم عن تقديره البالغ له بعد أن وصفه بأنه «المشروع الذى تهفو إليه نفوس المصريين»، غير أن هذه الإشادة لم تمنعه من الجهر بأنه «يربأ بهذا المشروع أن تكون دعامته وأد كيان أضحى وليداً وتبلور فى شكل جامعة النيل». لذا لم يكتف الحكم بالفصل فى النزاع لصالح جامعة النيل، وإنما ألزم الحكومة فى الوقت نفسه بضرورة توفير بديل لمشروع مدينة زويل. ما إن صدر الحكم حتى رحب به مجلس أمناء جامعة النيل، وطالب جميع مؤسسات الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه على الفور. أما مجلس أمناء مشروع مدينة زويل فقد أصدر بياناً أوضح فيه أن هذا الحكم «خاص بالشق المستعجل، ويتعلق بوقف قرارات إدارية بشكل مؤقت إلى أن تنظر الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإدارى فى شقه الموضوعى»، معرباً عن «ثقته فى أن القضاء المصرى سوف تكون له كلمة أخرى». ورغم تأكيد هذا البيان على «وجود إجراءات قانونية تمنع التنفيذ»، فإنه أعرب فى الوقت نفسه عن «احترامه للحكم»، مؤكداً أن الاعتراض عليه «سيكون بالوسائل التى حددها القانون»، وأنه أصدر التعليمات اللازمة لمستشاريه القانونيين للسير فى هذا الاتجاه. ويُفهم من هذه الكلمات أن النفوس لاتزال تقطر بالمرارة، وأن هناك إصراراً على المضى قدماً فى النزاع حتى استنفاد كل الوسائل القانونية التى قد تستغرق شهورا أو سنوات وقد تنتهى بتعطيل أو تجميد المشروعين معاً. تجدر الإشارة إلى أن الموقف الذى عبّر عنه المسؤولون فى مدينة زويل، والذى يبدو فى ظاهره متشدداً، استند إلى حجتين رئيسيتين: الأولى لها طابع عملى، ومن ثم يتعين أخذها فى الاعتبار عند البحث عن تسوية لهذه الأزمة التى تدمى قلوب المصريين، أما الثانية فلها طابع سياسى أو أيديولوجى، يساعد على تأجيج النزاع وليس حله، ومن ثم يتعين إهماله أو التغاضى عنه. وقد ارتكزت الحجة ذات الطابع العملى على صعوبات أو تعقيدات تكتنف إخلاء مدينة زويل وتفكيك ونقل أجهزة البحث العلمى التى تم استيرادها، «لأن لها حسابات فنية وأبعاداً ومواصفات هندسية معقدة، واستغرق تجميعها وتركيبها شهوراً طويلة»، كما استند إلى «وجود أكثر من 200 باحث وأستاذ وموظف يمثلون كيان المدينة حاليا، ومن دون مكان جاهز وملائم لعملية البحث العلمى ومؤهل لانطلاق الدراسة بالجامعة التى استكملت جميع مقوماتها وتسابق الشباب المصرى للالتحاق بها». أما الحجة ذات الطابع السياسى، أو الأيديولوجى، فقد ارتكزت على «قناعة بأن القوى التى تسعى لتدمير مشروع زويل هى ذات القوى التى تسعى للحيلولة دون انطلاق مصر»، وتنطوى على محاولة واضحة للتنصل من أى مسؤولية عن استمرار الأزمة حتى الوقت الراهن. غير أن بوسع كل متابع ومدقق لمواقف الأطراف المتنازعة أن يلمح خلف هذا التشدد الظاهر مرونة كافية تسمح بالعثور على مخرج كريم من هذه الأزمة، إن حسنت نوايا جميع الأطراف، ولم يعط أى منها أذنه لمحترفى الصيد فى المياه العكرة والعاملين على خراب هذا البلد. فقد لفت نظرى فى البيان الصادر عن مشروع زويل ـ رغم ما يوحى به من إصرار واضح على الاستمرار فى المعركة القضائية ـ تأكيده على استعداد المسؤولين فيه «لإعادة الأراضى والمبانى إلى جامعة النيل إذا ما طلب منها مجلس الوزراء ذلك، شريطة تطبيق نص القانون 161 لسنة 2012، وقام بتوفير مكان بديل للعمل حفاظاً على ما تم من إنجاز، على أن يتم تخصيص قطعة أرض أخرى يتم البناء عليها». وأظن أن هذه الفقرة تفتح أفقاً لحل يُرضى جميع الأطراف ويحقق مصلحة الوطن فى الوقت نفسه. وقبل أن أعرض تفاصيل هذا الحل، من وجهة نظرى الشخصية، علينا أن نسلم أولاً بمجموعة من الحقائق الأساسية، أهمها: 1- أن الحكومات المصرية المتعاقبة، قبل وبعد الثورة، لم تتصرف باستقامة فى هذا الموضوع، وبالتالى تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عما جرى حتى الآن، ومازال بإمكانها فى الوقت نفسه تسهيل أو تعقيد فرص التوصل إلى تسوية فورية تنهى الأزمة. 2- يصعب إعفاء الأطراف الأخرى من مسؤوليتها عن إطالة أمد الأزمة، خاصة الدكتور زويل بسبب إصراره غير المفهوم وغير المبرر على دمج جامعة النيل فى مشروعه الخاص. 3- ليس من المستبعد أبداً أن تكون أصابع خفية لا تريد الخير لهذا البلد قد استغلت الخلاف وسعت لتعميقه ونجحت فى ذلك، رغبةً منها فى وأد المشروعين معاً. فى سياق ما تقدم، أعتقد أن أى حل للأزمة القائمة والمستمرة بين جامعة النيل ومشروع زويل يجب أن يقوم على المبادئ التالية: 1- الاحترام التام للحكم الذى أصدره القضاء والعمل على تنفيذه بأسرع ما يمكن، وبحسن نية، من جانب جميع الأطراف، بما فيها الحكومة. 2- الحرص على إنقاذ المشروعين معاً، انطلاقاً من التسليم بحق كل منهما فى الاستقلال التام، وعلى التعاون فى الوقت نفسه لإيجاد أنسب الصيغ الملائمة لتنفيذ حكم القضاء بأقل الخسائر الممكنة بالنسبة للطرفين. 3- إسراع مجلس الوزراء بتخصيص قطعة أرض بديلة لمشروع مدينة زويل، على أن يراعى أن تكون فى مكان قريب يضمن سهولة وأمان عملية نقل الأجهزة. 4- إبرام اتفاق ملزم بين جامعة النيل ومدينة زويل يتضمن ترتيبات لمرحلة انتقالية تسمح لمدينة زويل بمواصلة نشاطها دون عوائق إلى أن يتم النقل التدريجى لجميع أجهزتها ومعداتها إلى مقرها البديل. فى سياق هذه المبادئ العامة، التى أعتقد أنها يمكن أن تكون مقبولة من جانب جميع الأطراف، يمكن تصور إدارة المرحلة الانتقالية على نحو يسمح بـ: 1- تمكين جامعة النيل من تسلم جميع الأراضى والمبانى المخصصة لها بالحالة التى كانت عليها عند إعادة تخصيصها لمشروع زويل. 2- يقوم مجلس أمناء مدينة زويل باستئجار الأماكن التى يحتاجها خلال المرحلة الانتقالية، بالسعر والشروط التى يحددها مجلس أمناء جامعة النيل، على أن يسرى هذا الإيجار منذ بداية الاستخدام الفعلى لهذه المبانى، مع التعهد فى الوقت نفسه بالإسراع فى عملية النقل قدر المستطاع ودون أى تباطؤ. أود أن أذكّر القارئ العزيز هنا بأننى كنت قد نشرت فى هذا المكان، وتحديداً فى 23 سبتمبر من العام الماضى، مقالاً بعنوان: «ماذا يريد الدكتور زويل بالضبط؟»، قلت فيه إنه «لا يجوز قانوناً أو أخلاقاً إقامة مشروع لم يزل حبراً على ورق، على أنقاض صرح علمى تجسد واقعاً على الأرض وبدأ يؤتى ثماره بالفعل»، وناشدت الدكتور زويل أن يصبح جزءاً من الحل وليس من المشكلة. ولأن الحكم القضائى الذى صدر مؤخراً أكد الفكرة ذاتها وجاء فى الاتجاه نفسه، أعتقد أن الفرصة باتت سانحة لإنقاذ المشروعين معاً، لذا أود أن أنتهز الفرصة لأتوجه بندائى هذه المرة للدكتور طارق كامل، رئيس مجلس أمناء جامعة النيل، آملاً فى أن يصبح بدوره جزءاً من الحل وليس من المشكلة، كما أود أن أحيطه علماً بأننى التقيت مؤخراً، مصادفة، بأحد أعضاء مجلس أمناء جامعة زويل، ففاتحته فى هذا الأمر وناقشت معه فرص التوصل لحل يقوم على الأسس التى طرحتها فى هذا المقال، فوجدت منه ترحيباً، وهو ما أسعدنى كثيراً. وإذا كنت أفضّل عدم ذكر اسمه مؤقتاً، حتى لا أتسبب له فى أى حرج، إلا أننى أعتقد أنه يمكن أن يساعد كثيراً فى العثور على حل، فهل يجد هذا النداء آذاناً صاغية لدى المسؤولين عن جامعة النيل؟ أرجو ذلك. ولأن مصر فى أمس الحاجة إلى كل البنائين، أعتقد أن كل المخلصين من أبنائها لابد أن يكونوا متمسكين بنجاح المشروعين معاً، وليس تمكين أحدهما من الانتصار على الآخر كما يريد.

omantoday

GMT 10:48 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 10:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 10:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 10:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 10:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 10:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 10:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد الحكم لصالح جامعة النيل ماذا بعد الحكم لصالح جامعة النيل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab