فتوى دينية أم تحريض على القتل

فتوى دينية أم تحريض على القتل؟

فتوى دينية أم تحريض على القتل؟

 عمان اليوم -

فتوى دينية أم تحريض على القتل

حسن نافعة

يتداول بعض مواقع التواصل الاجتماعى منذ أيام مقاطع من شريط فيديو، تُظهر شخصاً قيل إن اسمه الدكتور محمود شعبان، ويعمل أستاذاً فى جامعة الأزهر، وجه فيها انتقادات شديدة اللهجة إلى «جبهة الإنقاذ» التى وصفها بأنها «تبحث عن الكرسى». ولأن هذه الجبهة هى عبارة عن تحالف سياسى بين قوى تجمع بينها مواقف مشتركة تقبل الاتفاق أو الاختلاف معها، فمن حق الدكتور شعبان أو غيره أن يوجهوا لها ما شاء لهم من نقد، طالما التزموا آداب الحوار وصحيح القانون. أما أن يذهب البعض إلى حد الادعاء بأن قادة «جبهة الإنقاذ» يستحقون «القتل»، استناداً إلى «حكم شريعة الله»، ولا يتردد فى ذكر محمد البرادعى وحمدين صباحى بالاسم، فهذا ليس من حقه على الإطلاق. فكل من يتفوّه بكلام من هذا القبيل، أياً كان موقعه الرسمى أو مكانته العلمية، يجب التعامل معه باعتباره محرضاً على ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، ومن ثم يتعين إلقاء القبض عليه وتقديمه لمحاكمة فورية، تمهيداً لإنزال العقاب العادل والرادع به كى يكون عبرة للآخرين. لقد استند أستاذ جامعة الأزهر فى فتواه المشينة إلى حديث شريف يقول: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ؛ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُنَازِعُهُ؛ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرَ». ولأن «النووى» فسّر جملة «اضربوا عنق الآخر» باعتبارها تعنى ضرورة إنزال العقاب على كل من يطالب بإسقاط حاكم أخذ البيعة من الناس بضربه أولاً ثم بقتله إن لم يرتدع، فقد اعتبر الدكتور شعبان أن كل من يطالب بإسقاط الدكتور مرسى يستحق القتل، قياساً على هذا التفسير. ولا أريد أن أدخل هنا فى جدل فقهى حول تفسير «النووى» ومدى صحة القياس عليه لاستخلاص أحكام تنسحب على أوضاعنا السياسية الراهنة، لأننى، من ناحية، لست متخصصاً فى الفقه أو فى الشريعة الإسلامية، ولأن فساد القياس فى هذه الحالة يبدو لى، من ناحية أخرى، أمراً شديد الوضوح ولا يحتاج إلى نقاش، لذا أعتقد أن قيام رجل يحمل درجة الدكتوراة، أياً كان الفرع الذى اختار أن يتخصص فيه، خصوصا إذا كان يعمل أستاذاً فى جامعة الأزهر، يؤكد أن اختلاط الحابل بالنابل قد وصل مداه إلى الدرجة التى باتت تهدد بإشعال النار فى كل جنبات الوطن، ومن ثم يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار يتعين أن يُسمع صداه فى كل مكان. فمنذ أيام قليلة، سقطت رموز من شباب الثورة ضحية أعمال عنف وقعت أثناء المظاهرات الأخيرة. ولأنهم من المعارضين البارزين لجماعة الإخوان، فقد وقر فى يقين البعض أنهم تعرضوا لتصفية جسدية تشير إلى أننا إزاء جريمة «اغتيال سياسى ممنهج» وليس إزاء جريمة عنف سياسى من النوع التقليدى. وفى صباح الأربعاء الماضى، قام مجهول بإطلاق الرصاص على المعارض السياسى التونسى شكرى بلعيد، فى سابقة ليس لها مثيل فى تونس. وقد أكد معظم المعلقين أن ما وقع فى تونس هو جريمة «اغتيال سياسى» تسبب فيها شيوع الفكر التكفيرى فى أجواء احتقان سياسى، بصرف النظر عن اليد الآثمة التى ارتكبتها. لذا يبدو أن تونس، التى هبت منها رياح «ربيع عربى» كان قد زرع بذور الأمل فى النفوس، بدأت تهب منها عواصف «خريف عربى» على وشك أن يغرس اليأس فى النفوس. وكما كانت مصر هى المحطة التى حولت شرارة الثورة التى انطلقت من تونس الخضراء إلى شعلة أضاءت جنبات العالم العربى كله، يبدو أنها باتت مرشحة أيضا لتصبح هى المحطة التى ستحول سلاح «الاغتيالات السياسية» إلى سياسة ممنهجة لمحاصرة ووأد الثورات العربية. لو كانت مصر قد تعاملت بجدية مع «دعاة جدد» تخصصوا فى التحريض على الفتنة الطائفية من خلال فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان: كتحريم تبادل التهانى مع الأقباط فى أعيادهم أو تحيتهم وتناول الطعام معهم، لما ظهر رجال من أمثال الدكتور محمود شكرى وفتاواه المحرضة على قتل المعارضين السياسيين. فلو أن هذا الأستاذ الجامعى، الذى لا يستحق فى الواقع أن ينال شرف الارتباط بالأزهر الشريف، كان قد فكر قليلًا فى عواقب ما قال وفى الضرر الذى يمكن أن يترتب عليه، لما تحدث مطلقاً على هذا النحو. فماذا لو أن شاباً متهوراً تعامل مع ما قاله هذا الأستاذ الأزهرى باعتباره فتوى دينية ترخص له قتل البرادعى أو صباحى؟ فهل يمكنه تحمل مسؤولية ما قد يسيل من دماء بسبب قيامه بالتحريض على القتل؟! استنكار الحزب الحاكم مثل هذه الفتاوى لا يكفى، والمطلوب قانون يجرّم كل من يوظف الدين فى السياسة على هذا النحو المثير للفتن، وينظم طريقة إصدار الفتاوى الدينية بما يجعلها خالصة لوجه الله ولحماية الدين، بعيداً عن أهواء السياسة وتقلباتها.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتوى دينية أم تحريض على القتل فتوى دينية أم تحريض على القتل



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab