بقلم؛سحر الجعارة
هل الإنسان المعاصر يحتاج إلى كل هذه الكتب والفيديوهات (الأعلى مبيعاً ومشاهدة) لعلم الطاقة وقانون الجذب ومعرفة أعراض «الناس التوكسيك» والعلاقات السامة وكيفية قهر الرجل النرجسى (حاجات شبه جلب الحبيب ورد المطلقة)؟
هل نحن نحتاج فعلياً هذا الكم الهائل من مستشارى العلاقات الأسرية وخبراء التنمية البشرية لنحبو فى حياتنا الإنسانية والعملية؟
الأهم هل هؤلاء الخبراء مؤهلون علمياً للاطلاع على أسرارنا والتدخل فى شئوننا، ولديهم جدارة أكاديمية لتجاوز هزائمنا وانكساراتنا أو عقد الطفولة مثلاً فى بلد يحتقر «الطب النفسى» ويعتبر الذهاب إليه «عاراً» ويرفع شعار (يتعافى المرء بالتجاوز) حتى يصيبك الصداع النفسى أيضاً من فيديوهات طرق move on، التى تجتاح السوسيال ميديا؟
هل من يطالبوننا بدفع «الاستشارة» يقومون بالدور الذى نراه (فى الأفلام الأجنبية) للاستشارات الزوجية والجلسات المطولة مع أطراف المشكلة؟
المؤكد أننا خرجنا من متاهة «الدجل والشعوذة» وتبرير قلة الرزق بالحسد وعدم الزواج بالسحر إلى الشبكة العنكبوتية، حيث لا سيطرة على هؤلاء المدّعين ولا على زبائنهم من مدمنى الشكوى والتعلّل بالعجز والأسباب الميتافيزيقية المجهولة لمشكلاتهم.
لو جلست عمرك كله تنادى فلاناً (يُفترض أنك تحبه) وتردّد اسمه آملاً أن يفكر فيك فى اللحظة نفسها ويبادلك المشاعر، بينما هو مع شخص آخر لن ترد على باله.. ومهما فكرت فى المال ليأتيك دون عمل وجهد وبحث عن الأسباب لن يأتيك: يعنى جنابك «قانون الجذب» لا يُلبى طموح المهووس بفكرة ويعمل وفقاً لخيالك.. أنت تتعامل معه كمن يقرأ طالعه فى الصحف ويجلس منتظراً أن يتحقّق ما جاء فيه (بالمناسبة من يكتبه صحفى).
وعلى ذكر «علم الفلك»: علم الفلك المتعلق بحركة الكواكب وبداية الأشهر الهجرية مثلاً يختلف عن التنجيم وهو التنبؤ بالغيب.. أنت لن ترسب فى الثانوية العامة، لأن (زحل دخل فى المُشترى)، لكن بالقطع سوف ترسب أو تحصل على مجموع قليل إن لم تذاكر جيداً.. نعم أنا لا أقتنع بقراءة الطالع أو الكف أو فتح المندل أو الحسد أو السحر.
لا تصرخ: «السحر والحسد ذُكرا فى القرآن».. نعم ذكرا ولكن ليس بمعنى أن «نظرة» من شخص يحسدك على صحتك قادرة على إصابتك بمرض ما أو التأثير فى أمنك أو سلامك أو رزقك.. الناس قد تحسدك على النعم، لكن هذا لا يؤثر فى حياتك.. ما يؤثر فى حياتك هو «أنت» كيف تطور من عقلك وشخصيتك ومهاراتك وعلاقاتك الاجتماعية.. إلخ منظومة الأفكار المتّفق علمياً على أنها تطور شخصية الإنسان.
رغم ذلك فنحن لا نملك منع انتشار التوقعات الفلكية التى نسمعها كل فترة، عن نهاية العالم مثلاً أو اصطدام كوكب بالأرض.. ولا نحن نستطيع أن نمنع تدخل فن الأبراج من الدخول فى السياسة على مستويين، سواء من جانب خبراء الأبراج المنشغلين بتحليل الأوضاع السياسية فى العالم والتنبؤ بها، وفى هذا الإطار بنسمع توقعات كثيرة قد لا تحدث.. أو من ناحية بعض السياسيين البارزين المهتمين بعلم الفلك الذى يشكل جزءاً مهماً من حياتهم ولدينا نماذج بارزة فى هذا الاتجاه، منها الرئيس الأمريكى الراحل «رونالد ريجان»، الذى لم يكن يتخذ أى قرار قبل استشارة عرافته، هذا بخلاف موسولينى وفرانسو ميتران.
الخلاصة: إن شئت أن تعرف من هم «الناس السامة»؟ هؤلاء مَن عرقلوا طريقنا بتفسير الأحلام وقراءة الطالع وكعبلونا بأوهام السحر والحسد.. وجعلوا سبيلنا الوحيد للنجاح والسعادة عبر علم الطاقة والعلاج بالأشكال الهندسية وقانون الجذب وأوراق التاروت التى أصبحت تُقرأ لايف على السوشيال ميديا فلا شىء يمنع تبادل الفأل بالمال!