بقلم؛سحر الجعارة
ما بين «التشدد» و«الانحلال» مسافة كبيرة جداً للمبدع يتحرك خلالها، شريطة أن يكون ضمير المبدع هو البوصلة التى تحدد توجهات، وليس شباك التذاكر أو مبيعات الرواية أو شريط الكاسيت.
آن لنا الآن، وللمبدعين من شتى المجالات المطالبة بإلغاء رقابة الأصوات السلفية على كل المصنفات الفنية، وإلا أصبح الفن وكل صور الإبداع أداة فى يد تيار يعادى الفن بكل أشكاله ويسعى دائماً لهدم «القوى الناعمة» لمصر!.
لا أغالى إن قلت إن اعتدال المجتمع المصرى ووسطيته مرهونان بدور الفن فى المرحلة القادمة، وإن الدراما تحديداً لعبت دوراً هاماً فى التثقيف السياسى الذى فشلت فيه الكتب الأكاديمية.. فعلى الفنان أن يعرف دوره الآن.. ويطالب بحريته فى الإبداع فى آن واحد.
هل هذا الحديث ينطبق على أغنية «روبى» «3 ساعات متواصلة» التى أثارت الجدل بسبب كلماتها التى اعتبرها الجمهور كلمات «جريئة للغاية» وهى الأغنية التى كتبها ولحنها عزيز الشافعى.. بالقطع ينطبق عليها لأن الهجمة ضدها من تيار متشدد يريد أن يفرض وصايته على المجتمع بزعم أنه «حامى الفضيلة» وهو نفس دور جماعة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» الذى أصبحنا نراه من رواد السوشيال ميديا!.
أغنية «3 ساعات متواصلة» لا تحمل أى ألفاظ خارجة ولا يوجد بها شىء خادش للحياء أو حتى إسفاف، وتراث الأغنية المصرية يتضمن تعبيرات وألفاظاً مباشرة أكثر جرأة وحسية منها غنتها السيدة «أم كلثوم» وغناها «عبدالوهاب» و«عبدالحليم» وآخرون كثر.. فالبهجة والأغانى الخفيفة ومعانى الحب والاشتياق كانت أجرأ مثلاً فى أغنية «سعاد حسنى» بمبى التى تقول فيها (بوسة ونغمض وياللا نلقى حتى الدنيا بمبى) كلمات الشاعر الكبير «صلاح جاهين».. وهذا الجزء يمكن حذفه من المقال حفاظاً على «القيم الأخلاقية» للأسرة المصرية، وهى نفس الأسر التى لا تخجل من تحرش أولادها بالبنات أو التنمر والابتزاز الإلكترونى بهن.. أو حتى قتلهن على أعتاب الجامعة بزعم «الحب القاتل».
الأسر المصرية هى نفسها التى خرّجت أجيالاً من العلماء والمفكرين والزعماء والسياسيين، رغم أنها كانت تشاهد الأفلام الجريئة وتستمع إلى أغان تصف الحب والهيام.. لكنها كرست الأخلاق والفكر والأصول فى جيلى مثلاً لأنها كانت تفرق جيداً بين فن صناعة البهجة وبين القيم التى تغرسها فى الأجيال المتعاقبة.
تعجبت كثيراً من البيان الذى أصدره نقيب الموسيقيين «مصطفى كامل»، والذى حول الأغنية إلى قضية «أمن دولة» وتعامل معها بتقديم بلاغ للمصنفات الفنية: «منذ أن توليت منصب النقيب العام ومعى زملائى أعضاء مجلس الإدارة وهى تحمل على عاتقها أهدافاً واضحة ومعلنة للعامة، ومنها محاولة تنقية المناخ الفنى والموسيقى والحفاظ على القيم والثوابت المجتمعية قدر المستطاع، وهو بالأساس ليس دورنا فالمنوط الأول والأساسى والرئيسى بهذا الأمر هو جهاز الرقابة على المصنفات ومباحث المصنفات الفنية والجهات المختصة بالتصاريح للمصنف الفنى والتى أطالب الجميع بضرورة عودتها وفى أسرع وقت وإلا فنحن فى خطر قاسٍ ومؤلم وعواقبه وخيمة)!!.
«مصطفى كامل» وهو شاعر ومغنٍ، ويُفترض فيه أن يدافع عن «حرية التعبير» ويسعى لتوسيع مساحة الحرية، تحدث بلسان «الرقيب» ويتهم زميلة له بإحداث «فرقعة إعلامية وبروباجندا» أو يتهم الجمهور بذلك لا فرق.. الغريب والصادم أنه يستخدم تعبير ومصطلحات «رقيب دينى» أو «مصلح اجتماعى» ويستخدم ألفاظاً سلفية بامتياز.. رغم أن مهمة النقيب هى حماية أعضاء نقابته فى المقام الأول!!.
تنص المادة (67) من الدستور المصرى على أن: «حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة».. هذا ما كان على نقيب الموسيقيين أن يكرسه ويسعى لمزيد من تفعيل مضمونه وليس «الإرهاب المعنوى» وترويع الفنانين بعصا القيم والثوابت المجتمعية وإرهاب الجميع بـ«عواقب وخيمة» لا وجود لها إلا فى مخيلته.