مسافة الحلم
أخر الأخبار

مسافة الحلم

مسافة الحلم

 عمان اليوم -

مسافة الحلم

بقلم - سحر الجعارة

(شو هالحكى مين قال دخلك مين.. العيد لا إلـــــنا.. ما الأسر قاتلنا.. والحظ هاملنا).. فى كل ليلة عيد تهزنى تلك الكلمات، تسرقنى من لحن يرتفع من كل النوافذ بصوت السيدة «أم كلثوم»: (يا ليلة العيد آنستينا).. لتهمس «جوليا بطرس» بحزنها الدفين فى أذنى وتهز وجدانى، لأرى صوراً متتابعة لأوطان تحولت إلى أطلال تسكنها الغربان وينعق فيها البوم.. وتتكرر فيها مآسى الفقر التى عانتها «جوليا» فى طفولتها: (كنت أشتهى أنا وأختى المنقوشة فى ملعب «مدرسة راهبات الورديّة»، لم يكن وضع أهلى يسمح لنا بشراء منقوشة كل يوم. كان يوم الربع ليرة يوم عيد بالنسبة إلينا).. ربما لهذا أصبحت الأعياد مكسوة بالحزن ومغلفة بالأسى بالنسبة إليها، وربما كانت أحبالها الصوتية لا تزال مشدودة لأطفال حُرموا من بهجة العيد وكسر الفقر أعناقهم، وشردتهم الحروب من بلدة لأخرى وسرقت منهم أعيادهم: (ما العيد ما بيمرق عالمساكين.. العيد يبقى بعيد ويضل ناسينا.. شو لنا بالعيد ولا شىء بيعنينا.. مساكين نحنا مساكين عشنا).

ملايين الأصوات التى غنت ورددت مع «أيقونة الثورة والحرية»: «وين الملايين» و«غابت شمس الحق».. لا تعوضها عن تلك الطفولة البائسة، لا تعيد لها لحظة الفقد وهى تغنى ليبقى الأحباب بالديار حين قرر زوجها، (حبيبها آنذاك أن يهاجر من بيروت)، فى هذه اللحظة البعيدة تعلم صوتها كيف يتقن لغة الحب: (كنت أؤدى أغنية الحب «عَ المسطرة» حتّى جاءت «وين مسافر» وعرفت كيف أغنى بحنان.. غنيتها لإلياس «أبى صعب» زوجى، وكان سافر إلى لندن.. وغنيتها أيضاً لجيراننا الذين قرروا الهجرة إلى كندا).. ونجحت «جوليا» فى استعادة الأحباب بشجن صوتها المجروح: (وين مسافر أوعى تسافر آخر مرة بقول لك هيك.. تصور إنه تكون الليلة آخر ليلة بتسهر هون، وإن الوردة اللى لونتها آخر مرة يكون لها لون.. يا هل الضايع مين اللى قال لك إنو منوهون الكون).. ومن هنا أصبحت «جوليا» شريكة فى كل قصص الحب نستدعيها مع الإحساس بالوجع أو بالفرح.. نصرخ بصوتها: (أنا بتنفس حرية لا تقطع عنى الهوا.. لا تزيدها كتير علىّ أحسن ما نوقع سوا.. ما بتقدر أبداً تلغينى بدك تسمعنى وتحكينى.. وإذا فكرك عم بتداوينى مش هيدا هوا الدوا).

فى هذه اللحظة البعيدة تعلم صوت «الثورة والحرية» كيف يبكى على إيقاع الحب.. وعدت معها وإليها، إنها شريكة قصتنا: أنهيت غربتى التى لم تتجاوز عشرة أيام، وعدت -آنذاك- أفتش عن نفسى معها تحت حطام «الحرب الأهلية اللبنانية»، أبحث عن أحلامى بين جثث الشهداء، عن حريتى فى خريطة «فلسطين» المحتلة.. أنقش اسمه فى دروب التوهة ربما تجبرنى صورته على الهرب!!

زيدينى يا جوليا صلابة وطرباً وشجناً.. امنحينى ذلك السحر المحرّض على الحياة.. ردى لى الشغف واللهفة لـ«أى شىء»: (صوت الحرية بيبقى أعلى من كل الأصوات.. مهما تعصف ريح الظلم، بيغطى الليل المسافات.. ما فيك تلوّن ها الكون، ع بعضو بذات اللون.. وتبدّل نظام الأرض، وتغير مجرى الهوا «أنا بتنفس حرية ما تقطع عنى الهوا»).. أهدتنى جوليا «اليقين» وحسمت بأغنيتها الاختيار.

«جوليا بطرس» أيضاً حسمت اختياراتها، أصبح الرهان على الشعب، إنها تغنى جرحها «وين الملايين» وتنادى الغد المتعثر فى أوزار نهارنا الضبابى.. هذه الخلطة العبقرية «فلسطينية - لبنانية» توجعنا وتجرحنا: (كلن يا جنوب باعوك الكلام.. والعدل مصلوب عم ينزف السلام.. شو همنا الحروب.. راح نبقى نحن هون ويفنى كل الكون.. ولا ينقص حبة بترابك يا جنوب). توقظنا «جوليا» وتؤلم ضمائرنا، كم هى جارحة، غاضبة، مسكونة بالوطن، مهمومة بالحرية.. أحياناً تتحول الحدوتة إلى «عدودة».. يلتحم الوطن بالحبيب، تصبح الذاكرة «بشر ورائحة أرض وشجرة زيتون وانفجار واغتيالات مدبرة ومؤامرات لا نعرف أبعادها».. وما الحبيب إلا بعض ملامح الوطن بغضبه وحنوه: يدير لنا ظهره حيناً ويضمنا فى أحيان أخرى.

لن تشعر بقيمة الثورة على الظلم والطغيان حتى فى الحب إلا إذا اختبرته وطعن قلبك بسهمه الذهبى.. لن تشعر بمعنى «الحرية» لمجرد أن صوت «جوليا» الملائكى يناديك إليها، لا بد أن تجرب الأسر وتترك القيود علامات جارحة بمعصميك.. إنها امرأة صلبة، لم تفرط فى وطنها، ولم تنحن حتى فى عشقها، تمنح قلبها لمن يستحق: (انت أحسن ألطف أنضف.. أشرف إنسان بلاقيك.. انت أريَح أفصح أنجح.. مين مش شايف حالو فيك.. انت عندك قدر وقيمة، أفكارك متلك عظيمة).. وعندما تتمرد تغنى له: «لا بأحلامك».

omantoday

GMT 21:44 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

فاطمة دائماً

GMT 21:43 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

الخوف في كل مكان... وإيران تفاوض أميركا

GMT 21:42 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

طارق وأوراق وطوارق اليمن

GMT 21:40 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

عالم ترمب... مزيج من الخيال والواقع

GMT 21:37 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

ألعاب التعريفات النارية لترمب ناجحة

GMT 21:36 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

المرشد والمفاوضات والدراغونوف

GMT 19:05 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

الغياب عن مسقط

GMT 19:03 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

مناورة أم تحول حقيقي؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسافة الحلم مسافة الحلم



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 04:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 05:08 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

برج الثور عليك أن تعمل بدقة وجدية لتحمي نفسك

GMT 04:59 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab