شجاعة «السيسى» لا تنفى مهارة «الأجهزة»

شجاعة «السيسى» لا تنفى مهارة «الأجهزة»

شجاعة «السيسى» لا تنفى مهارة «الأجهزة»

 عمان اليوم -

شجاعة «السيسى» لا تنفى مهارة «الأجهزة»

معتز بالله عبد الفتاح

ليس سراً أن أجهزة الدولة السيادية رصدت الخطر الذى أحاط بمصر بعد تخلى الرئيس مبارك عن السلطة. وحاولت، أولاً، جاهدة أن تفصل بين الثوار والإخوان مراهنة على عقلانية الثوار المفترضة ولكنهم كانوا أكثر انقساماً وأقل خبرة وأضعف ثقة فى أجهزة الدولة مما جعلهم يتزوجون الإخوان ويطلقون الدولة تحت شعار «يسقط يسقط حكم العسكر» ظانين أن «شرر» الإخوان أخف من «نار» المنتسبين للقوات المسلحة المصرية بزعمهم، خارجين بذلك على تقاليد مصرية عريقة استقرت منذ نشأت ومعها جيشها العظيم فى لحظة واحدة فارقة جعلت الجيش والشعب دائماً فى نفس الخندق ونفس المعركة ولنفس الأهداف الوطنية. وقد اكتشف من رفعوا هذه الشعارات لاحقاً خطأهم بعد أن تكبّد الجميع الكثير.كما حاولت، ثانياً، أجهزة الدولة السيادية أن تستوعب الإخوان مراهنة على حنكتهم المفترضة ورغبتهم المزعومة فى الشراكة الوطنية، لكنها لم تجد فى الإخوان إلا النهم الغشيم للسلطة والثروة، على نحو لا يكرر فقط أخطاء الحزب الوطنى، ولكن يضيف إليها تهديد وحدة المجتمع وتماسك نسيجه الاجتماعى.ثالثاً، قبلت بعض أجهزة الدولة على مضض أن تترك للإخوان مهمة قيادة الدولة شريطة أن يتم «تمصير» الإخوان فى مواجهة خطة قيادات الإخوان لـ«أخونة مصر» وكان رهان الأجهزة أن يكون لديهم حد أدنى من وطنية مفترضة، ولكنها وجدت أنهم «إخوان» أكثر منهم «مسلمون» وأنهم «إخوان» أكثر منهم «مصريون» وهنا كانت المواجهة التى كان ينبغى أن تنتهى إما لمصلحة «مصر» أو لمصلحة «الإخوان».الرئيس السيسى كان رأس الحربة ضد المشروع الإخوانى ليس بحكم ما بدأوا منه ولكن بحكم ما انتهوا إليه، ولكن كانت معه أجهزة الدولة الاستخباراتية والأمنية التى ساعدت مصر وأنقذتها من اختيارات خاطئة كادت أن تفضى إلى «تدمير الوطن» ذاتياً؛ أى المواجهة المسلحة بين أبنائه فى مواجهة بعضهم البعض.هذه كانت المقدمة، والآن بعض التفاصيل.أزمة الكثير من المجتمعات العربية هى أزمة وعى، ومن يحسن استغلال نقص الوعى يستطيع أن يحقق الكثير. وبالنظر إلى خبرات الكثير من دول العالم بما فيها منطقتنا العربية، فسنجد أن هناك خمس ثغرات أساسية ينفذ منها من يشنون عليها العمليات النفسية التى يمكن أن تفضى إلى الاحتراب الأهلى وتدمير الدولة.المدخل الأول: الفتنة الطائفية، والمقصود بها استغلال الانتماءات الأولية على أساس دينى أو عرقى لتمزيق النسيج الوطنى والنيل من تماسكه.لا يوجد مجتمع لا يحظى بشكل من أشكال الانقسام، ففى منطقتنا العربية هناك الانقسام السنى - الشيعى أو المسلم - المسيحى أو العربى - الكردى.ولكن ما يجعل المجتمعات أضعف مناعة هو التوازى فى أشكال الانقسام بما يجعل المجتمع وكأنه تجمُّع بين شتيت متنافر من أصحاب هويات متصارعة. ولنأخذ السودان قبل الانقسام مثلاً. حيث كانت الطائفية تعتمد على انقسامات متعمقة ومتوازية بين أهل الشمال الذين يغلب عليهم أنهم مسلمون أغنى نسبياً يتحدثون العربية ومنهم الحكام منذ الاستقلال فى مواجهة أهل الجنوب الذين يغلب عليهم أنهم غير مسلمين وأفقر نسبياً لا يتحدثون العربية وظلوا دائماً خاضعين لحكم الشمال.مجتمع بهذه المواصفات من السهل للغاية أن يخضع للعمليات النفسية المعادية التى تمزق نسيج المجتمع.ولرفع مناعة المجتمع ضد هذه النوعية من العمليات النفسية المعادية لا بد أن يتحول التوازى فى أشكال الانقسام إلى تداخل فى أشكال الانقسام عبر المواطنة الكاملة وتقاسم السلطة (power sharing). ولنأخذ المثال المقابل تماماً، وهو التنوع الإثنى والعرقى والدينى داخل دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ولكن مع فروق واضحة، حيث لا يوجد تركز للثروة فى منطقة أو مناطق محددة دون غيرها، كما أن البنية الديمقراطية تسمح بأن يكون هناك تمثيل متوازن لكافة الولايات، كما أن المساواة أمام القانون ترفع مناعة المجتمع ضد العمليات النفسية المعادية.المدخل الثانى: تهديد الثوابت الوطنية من خلال التشكيك فى وطنية مؤسسات الدولة السيادية وعلى رأسها المؤسسات الأمنية (العسكرية والشرطية) والمؤسسة القضائية وصولاً إلى رفض الانصياع للقانون باعتباره لا يعبر عن الدولة الوطنية ولكن يعبر عن مصالح أفراد هذه المؤسسات الخاصة. وقد تستهدف العمليات النفسية المعادية أن تصل فجوة الثقة إلى إحداث انقسام رأسى فى المؤسسة العسكرية (بمعنى الصراع بين قياداتها ووحداتها) أو أفقى (بمعنى عدم طاعة الأوامر الصادرة من قمة هرمها إلى قاعدته).المدخل الثالث، تأجيج الصراعات الطبقية بين أقلية شديدة الثراء وأغلبية شديدة الفقر وبينهما جهاز قمعى يحمى الأثرياء ضد الفقراء بتصوير الوضع وكأن الدولة هى مجرد هيئة أركان الطبقة المسيطرة اقتصادياً كما ذهب كارل ماركس. وبالتالى يكون الحل هو الخروج على هذه الدولة وتدمير مؤسساتها. وهنا تكون الدولة مطالبة بتبنى برامج جادة للتنمية المتسارعة والمتوازنة.المدخل الرابع: مدخل تغذية التيارات السياسية المتطرفة والمثال على ذلك فى منطقتنا العربية دعم التيارات الدينية المتطرفة من خلال استغلال العاطفة الدينية الغالبة والإحباطات الشائعة بين قطاعات من الشباب مع تراجع فى قدرة الخطاب الدينى الرسمى على اختراق المساحات التى يشغلها الخطاب الدينى المتطرف. وهنا تكون المواجهة الفكرية وتجديد الخطاب الدينى والمناقشة المفتوحة لمقولات التيارات السياسية المتطرفة هى الأداة الأمثل لمواجهة العمليات النفسية المضادة.المدخل الخامس: خلخلة العلاقة بين المركز والهوامش، أى بين العاصمة، حيث تتركز معظم المؤسسات السيادية وتبدو قوة الدولة فى قمتها القاهرة، والمناطق البعيدة عنها لا سيما إن كانت هذه المناطق البعيدة متاخمة لدول أخرى غير مستقرة أو يعيش فيها أناس لهم امتدادات ديموغرافية خارج الحدود. العمليات النفسية المضادة الموجهة ضد الهوامش تركز على خلخلة الهوية الوطنية وتغليب الهوية القبلية أو الدينية أو العرقية عليها.والسؤال هو: كيف تواجه الدول العمليات النفسية؟دأبت الدول على تبنى عدد من الاستراتيجيات فى مواجهة العمليات النفسية وعلى رأسها: أولاً: مكافحة نشاط الجماعات المعادية فى الداخل أو ما اصطلح على تسميته بالفيلق (أو الرتل أو الطابور) الخامس، حيث ظهر هذا التعبير خلال الحرب الأهلية الإسبانية عندما قال الجنرال (مولا) أحد قادة الجنرال فرانكو (إن أربعة فيالق تتقدم إلى مدريد للاستيلاء عليها ولكن هناك فيلقاً خامساً كاملاً داخل المدينة له القدرة على إنجاز ما لا يستطيع أى فيلق خارجى إنجازه). والفيلق الخامس سلاح فعال مهمته تحطيم كيان الأمم من الداخل بإضعافها وتفتيت شملها بالإشاعات والأراجيف لإثارة الفزع بين صفوف المواطنين وإثارة النعرات القومية والطائفية والعرقية بينهم والقيام بأعمال الشغب والتخريب التى تخلق الفوضى.ثانياً، لا بد من دراسة وتحديد خريطة الأزمات المحتملة داخل كل دولة لمعرفة الثغرات التى يمكن أن تنفذ منها العمليات النفسية. مع تبنى منهاج توعية شامل يستهدف تنمية الشعور بالمسئولية لدى المواطنين مع توضيح دقيق للدور الخطير للمجموعات المعادية وإيضاح وسائلهم وأساليبهم التخريبية.ثالثاً، بناء دولة المواطنة والالتزام بدولة المساواة والقانون لتحقيق الوحدة الوطنية المتماسكة وقطع الطريق على محاولات زرع بذور الفرقة والفتنة.رابعاً، لا بد من وجود أجهزة لاتخاذ تدابير كفؤة وشفافة لمواجهة الإشاعة، من أهمها إطلاع الشعب بشكل صادق على ما يجرى بعيداً عن أساليب الخداع والمراوغة التى سرعان ما يكتشفها المواطنون.خامساً، وضع سياسة إعلامية وطنية مهنية موحدة للمواطنين والتحذير من محاولات إشاعة عوامل الفُرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد والتصدى لمثل تلك المخططات التى تسهّل للأعداء تحقيق مآربهم.المعركة علينا مستمرة، ونحن لها بإذن المولى.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شجاعة «السيسى» لا تنفى مهارة «الأجهزة» شجاعة «السيسى» لا تنفى مهارة «الأجهزة»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab